الصناعات بالفطرة وبرزوا فيها فأقبل الناس عليهم وأعجبوا بما ترسمه يدهم الصناع. القريحة كائن يقوم به من العمل في العادة أحسن من السواد الأعظم الذي يحاول الحصول على ذلك الاستعداد. والمادة الأصلية في القريحة القدوة والتقليد ويتأتي للقريحة أن تعلم إلى حد محدود وفي مكنة كل رجل اعتيادي أن يجعل له قريحة وما القريحة إلا بتعهدها وهي صورة حية من آثار النظر فيها والقريحة تتعهد في عهدنا بحيث يأتي من كل اثنين واحد ذو قريحة ولكن الانتفاع من ثمراتها انتفاعاً مادياً غير مضمون بل يتعلمها كما يتعلم الناس ما يؤهلهم لأخذ الشهادة العالية في مبادئ العلوم فينال الشهادة المتعلمون ولكن لا يضمن لهم رزقهم منا بل هي أداة لتمدينهم.
ويجب أن لا يعتقد من يستطيع نظم بيت أنه شاعر ولا من يمس القلم والريشة أنه مصور أن نقاش فإن هذا الاعتقاد حمل كثيرين على اعتقاد الكفاءات في أنفسهم وعتبوا على الدهر لأنه لم يعطهم حقهم من النجاح ووهموا بأنه يستحيل عليهم أن يرزقوا مما لم يتقنوه إتقان النابغين له ولا يقدر قدر ذلك إلا من يدخل المخازن وقاعات الصناعات فيرى أدعياء هذه الصناعات يعرضون ما خطوا ورسموا وبئس ما يريدون أن يشتروا به ثمناً ولو قليلاً ويحشرون أنفسهم في عداد العالمين والنابغين. وليت أولئك الأدعياء علم ما لا يعلمون التمسوا رزقهم من خدمة محال القهوة أو صنع الأحذية إذاً لرفعوا رؤوسهم في صناعاتهم بدون أن يوهموا أنفسهم بأن لهم قريحة حسنة ويداً صناعاً.
وترى الدعوة أيضاً أكثر شيوعاً في الأدب فإن عشرين ألفاً من الناس يدعون الشعر والكتابة وقليل منهم من لم بكتب وينظم قصة ويؤلف قصة أو قصيدة وهم متوسطون فيما يخطون ويبقى تسعة أعشارهم خاملين لا شهرة لهم إلا في دائرتهم الضيقة وكم يقاسون من الألم يوم يحكم الناس على المجيدين منهم ويشهدون الكتبيين وإعلانات دور التمثيل والجرائد والمجلات لا تذكر إلا غيرهم من النابهين النابغين وهم قلائل يواتيهم الحظ ويخمل جمهوراً كبيراً من الغراب الأعصم والكبريت الأحمر.
وبعد فاطلب لكل من تريد له الخير أن تعرى نفسه كل التعرية من القريحة كلها فذلك خير له من أن تكون له قريحة تافهة يرافقها طمع فيه وهو طمع بالنابغين الآخرين من الحاملين.
الفيل في الكونغو