إليه وليس من صفات النفوس العارفة السامية والهمم الشريفة العالية إظهار السرور إلى أن تهلل وجوههم وتسر نفوسهم بهبة الواهب ولا شدة الابتهاج بعطية المعطي بل ذلك عندهم سقوط همة وصغر نفس وكثير من ذوي النفوس النفيسة والأخلاق الرئيسة لا يظهر السرور متى رزق مالاً عفواً بلا منة منيل ولا يد معط مستطيل لأنه عند نفسه أكبر منه ولان قدر المال يقصر عنه فكيف أن يمدح ملك كبير كثير القدر عظيم الفخر بأنه يتهلل وجهه ويمتلئ سروراً قلبه إذا أعطى سائله مالاً وهذا نقض البناء ومحض الهجاء والفضلاء يفخرون بضد هذا قال بعضهم:
ولست بمفراح إذا الدهر سرني ... ولا جزع من صرفه المتقلب
وإنما غر زهيراً وغر المستحسن بيته هذا ما جبلوا عليه من العطاء وما جرت به عاداتهم من الرغبة في الهبات والاستجداء وليس كل الهمم تستحسن ذلك ولا كل الطباع تسلك هذه المسالك.
قال أبو الريان: وقال زهير أيضاً يمدح سادة من الناس فذمهم بأنواع الذم وأكثر الناس على استحسان ما قال أظن كلهم كلهم على ذلك وهو قوله:
على مكثريهم حق من بعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل
فأول ما ذمهم به إخباره أن فيهم مكثرين ومقلين فلو كان مكثروهم كرماء لبذلوا لمقليهم الأموال حتى يستووا في الحال ويشبهوا في الكرم والحال الذين قال فيهم حسان:
الملحقين فقيرهم بغنيهم ... والمشفقين على اليتيم المرمل
المرمل القليل المال وأرمل الرجل إذا قل زاده وكما قال غيره:
الخالطين فقيرهم بغنيهم ... حتى يعود فقيرهم كالكافي
وكما قال الخرنق:
الخالطين لجينهم بنضارهم ... وذوي الغنى منهم بذي الفقر
فهذا كله وأبيك غاية المدح النقي من القدح ثم استمع ما في هذا البيت سوى هذا من الخلل والزلل قال:
على مكثريهم حق من يعتريهم ... وعند المقلين السماحة والبذل
ففي هذا القسم الأول عيوب على المكثرين. منها أنهم ضيعوا القريب كما قدمنا ودعوا حق