وتدبير بيت المال أو خزينة المملكة. ثم امتدت سطوتهم حتى بلغت شأواً بعيداً في النفوذ وشأواً خطيراً في السلطة حتى قلد الزرازرة نقابة أشراف الروم فصارت وظيفتهم كوظيفة نقيب الأشراف عند المسلمين في عهدنا هذا. بل وأوغلوا في السطوة حتى قلدوا أمر مراقبة الآداب وتنزيل الأشراف عن مناصبهم العليا وإبعاد شيوخ المجلس الأكبر عن مناصبهم بل وربما طردوهم من المجلس طرداً لا مرد لهم إليه.
وكانت هذه الوظيفة مقيدة بالبطارقة لا غير. ومن ذلك تعريف العرب للزرازرة بمعنى البطارقة. ثم أرخي عنان جوداها فقبض عليه صهواً كل من كان أهلاً للعلى وإن كان من السوقة.
على أن أصح وجه اللفظ هو السرسور كما جاءت في أغلب كتب الأئمة إلا أنها وردت عندهم بالمعنى الفرعي لا بالمعنى الأصلي أي إنها جاءت بالمعنى الثالث الذي انتقلت إليه في الرومية واشتهرت به في عهد صدر الإسلام لأنهم قالوا في تفسيرها: الفطن العام الدخال في الأمور.
وإن قيل لنا: إن سرسور هو تعريب سيرسور واصل معناه الشعبان فرحاً. (كتاب الألفاظ الفارسية المعربة تأليف السيد أدي شير ص 89). قلنا: لا يقول هذا الكلام إلا من أراد الهزء والسخرية بأهل العلم والتحقيق وإلا أي مناسبة بين هذين المعنيين. وكيف سمى الروم صاحب مقام من أهل المراتب العليا عندهم باسم فارسي. تلك أضحوكة من الأضحوكات المبكيات. هذا فضلاً عن أن العقل يأبى مثل هذا الوضع الغريب والتأويل البعيد العجيب ولا سيما أن جميع اللغويين متفقون على أن الزرازرة هم البطارقة أي علية أشراف الرومان. والسراسرة هم الفطنون العلماء الدخالون في الأمور كأن العرب جعلت لكل فرع من المعنى فرعاً من اللفظ تفنناً وتمييزاً لفظاً من لفظ وهم كثيراً ما يفعلون ذلك.
هذا وتأويل السرسور بالمعنى الذي عقده بناصيته أهل اللغة يوافق كل الموافقة للتآويل المختلفة التي جاءت بها لفظة تعني ما يأتي: (1) الذي ينتقد مسلك الناس وأعمالهم. (2) الذي ينتقد مؤلفات المصنفين وما وقع فيها من الأوهام والأغلاط. (3) أحد عمال الحكومة تقيمه على فحص الكتب والجرائد والمجلات وهو الذيس سماه كتاب هذا العهد بالمراقب. (4) وسرسور الدروس عندهم القيم بشؤونها وبحفظ قوانينها. (5) وسرسور المصرف