العقلاء، وأما الحمقى فلا يلتفت إليهم فلا حاجة في رده بأكثر مما شرحنا إذ قدر المقالة وقائليها القدر الذي وصفناه والله المستعان على دفع ما خالف السنة ومذهب أهل السنة وعليه التكلان انتهى كلامه بحروفه.
وجوب تحري المفتي من الأقوال أرجحها
إن مما يدعو للنظر والتروي في الفتيا كثرة المذاهب والأقوال في المسألة فليس مذهب أحق من مذهب ولا قول أرجح من آخر إلا بالدليل والبرهان الذي يدعمه ويؤيدة ويبينه أجلى بيان.
وقد اتفق الأصوليون كافة على وجوب اتباع المفتي الأقوى دليلاً والأقوم برهاناً من أي مذهب كان قال الإمام النووي في مقدمة شرح المهذب: ليس للمفتي ولا للعامل في مسألة القولين أن يعمل بما شاء منها بغير نظر بل عليه العمل بأرجحهما.
وقال العلامة أبو النصر القزاني الحنفي في كتابه الإرشاد: وليس للمفتي الفتوى بأحد القولين أو الوجهين من غير نظر بل عليه العمل بالأرجح والجمهور من المحققين قالوا: إن العمل والفتوى بالمجمع عليه ثم بالأحوط ثم بالأوثق دليلاً ثم يقول من ظنه أعلم وأورع ولذلك ترى المنتسبين إلى مذهب يفتون بخلاف قول إمامهم كالحنفية يقلدون أبا حنيفة فيما لم يظهر على خلاف قوله دليل أقوى من دليله وإذا ظهر الدليل الراجح على دليله يفتون ويعملون على خلاف قوله ويقولون الفتوى على قول أبي يوسف أو على قول محمد أو على قول زفر مثلاً وينقلون قول أبي حنيفة رضي الله عنه في ظاهر الرواية على خلافه وكذلك أبو يوسف أو محمد مثلاً ممن ينتسبون لمذهب أبي حنيفة فإنهم يقلدونه فيما لا دليل عندهم وإذا قام الدليل على خلافه يفتون بغير قوله لأن الواجب متابعة الدليل الراجح عند قيامه والتقليد إنما يصار إليه عند الضرورة مقدرة بقدرها انتهى.
وقال الإمام ابن هبيرة في الإيضاح: إذا خرج من خلاف الأئمة المجتهدين متوخياً مواطن الاتفاق ما أمكنه كان آخذاً بالحزم عاملاً بالأولى وكذلك إذا قصد في مواطن الخلاف توخي ما عليه الأكثر منهم والعمل بما قاله الجمهور دون الواحد فإنه يأخذ بالحزم مع جواز عمله بقول الواحد إلا أنني أكره له أن يكون مقتصراً في حكمه على أتباع مذهب أبيه أو شيخه مثلاً فإذا حضر عنده خصمان وكان ما تشاجرا فيه مما يفتي الأئمة الثلاثة يحكمه نحو