فإن ادعوا قول أحد من علماء السلف بما زعموا من كون الأخبار الثابتة بنقل الثقات حجة على المجتهدين لا على غيرهم طولبوا به، ولن يجدوا هم ولا غيرهم إلى إيجادهم سبيلاً.
وإن ادعوا فيما زعموا دليلاً يحتج به يقال ما ذلك الدليل، فإن قالوا إن الحديث يحتمل الوضع يقال ليس الذي يقوم حجة خبر كل من نصب نفسه محدثاً بلا ما رواه وأسنده الأئمة المتقنون المعروفون بالصدق والأمانة والثقات الراسخون في العلم عن قوم مرضيين عندهم وصححوه مثل مالك بن أنس ومسلم بن الحجاج ومحمد بن اسماعيل البخاري ومحمد بن ادريس الشافعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن عيسى الترمذي وسليمان بن أشعث السجستاني وغيرهم من الأئمة المعروفين، وكتبهم بأسانيدهم بين العلماء معتمدة مشهورة حتى قالوا إن الحديث إذا نسب إليهم فكأنه أسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم قد فرغوا من الإسناد وأغنونا عنه، ومن ثم لزم الأخذ بنص أحدهم على صحة السند أو الحديث أو ضعفه فكما أن المجتهد يعتمد على ثبوت الخبر على الإسناد من جهة الثقات فكذلك غيره، وكما أن خبر الواحد الثقة عن الواحد الثقة حجة يلزم به العمل على المجتهد وهو محجوج به فكذلك غيره، وكما يجب علينا الاتقاء من حديث لا يعرف صحة مخارجه والستارة في ناقليه فكذلك على المجتهد.
وأيضاً إن الخبر يقين بأصله لأنه من حيث أنه قول الرسول عليه السلام لا يحتمل الخطأ وإنما الشبهة باعتبار النقل حيث يحتمل السهو والنسيان، وقول الفقيه يحتمل الخطأ بأصله إذ هو يجتهد فيخطئ ويصيب وإما باعتبار نقله فأكثره خال عن السند أصلاً فكما أن وضع الخبر محتمل وصحة الإسناد يدفعه فكذلك وضع الرواية محتمل ولا إسناد حتى يدفعه.
والصحابة رضي الله عنهم كانوا متفقين على ترك الرأي بالسنة وهو حجة شرعية فكيف لا يترك التقليد بها وهو ليس بحجة أصلاً.
فالواجب على من بلغه الحديث أن يعمل به هذا في فقهاء الصحابة رضي الله عنهم فكيف فيمن دونهم وقد صح عن الشافعي رضي الله عنه أنه قال: إذا صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي فإنه مذهبي: وقال علي بن محمد القاري: وهذا مذهب كل مسلم.
وأما قولهم: الحديث يحتمل النسخ والتأويل: قلنا إذا ظهر ناسخه فلا نزاع في سقوط العمل