على ذلك أمور (أحدها) النقل الشرعي في الحديث أن العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم: وفي الصحيح: بينا أنا نائم أتيت بقدح من لبن فشربت حتى أن لأرى الري يخرج من أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب قالوا فما أولته يا رسول الله قال العلم: وهو في معنى الميراث وبعث النبي صلى الله عليه وسلم نذيراً لقوله تعالى: إنما أنت نذير وقال في العلماء: فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم الآية وأشباه ذلك (والثاني) أنه نائب عنه في تبليغ الأحكام لقوله: ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب: وقال بلغوا عني ولو آية وقال: تسمعون ويسمع منكم ويسمع ممن يسمع منكم: وإذا كان ذلك فهو معنى كونه قائماً مقام النبي (والثالث) أن المفتي شارع من وجه لأن ما يبلغه من الشريعة إما منقول عن صاحبها وإما مستنبط من المنقول فالأول يكون فيه مبلغاً والثاني يكون فيه قائماً مقامه في إنشاء الأحكام وإنشاء الأحكام إنما هو للشارع فإذا كان المجتهد إنشاء الأحكام بحسب نظره واجتهاده فهو من هذا الوجه شارع واجب إتباعه والعمل على وفق ما قاله وهذه هي الخلافة على التحقيق بل القسم الذي هو مبلغ فيه لا بد من نظره فيه من جهة فهم المعاني من الألفاظ الشرعية ومن جهة تحقيق مناطها وتنزيلها على الأحكام وكلا الأمرين راجع إليه فيها فقد قام مقام الشارع أيضاً في هذا المعنى وقد جاء في الحديث: أن من قرأ القرآن فقد أدرجت النبوة بين جنبيه: وعلى الجملة فالمفتي مخبر عن الله كالنبي وموقع للشريعة على أفعال المكلفين بحسب نظره كالنبي ونافذ أمره في الأمة بمنشور الخلافة كالنبي ولذلك سموا أولي الأمر وقرنت طاعتهم بطاعة الله ورسوله في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم والأدلة على هذا المعنى كثيرة.
بيان أن المفتي والعالم والمجتهد والفقيه ألفاظ مترادفة في الأصول
قال الشهاب ابن قاسم العبادي في شرح قول إمام الحرمين في الورقات: وصفة المفتي الخ: والمجتهد والمفتي واحد، وقال في شرح قوله: وليس للعالم أن يقلد أي المجتهد المطلق فإنه المراد من العالم كالمفتي حيث أطلق في الأصول.
وقال أيضاً في شرح قول المحلي: والمفتي هو المجتهد: يحتمل إرادة اتحادهما مفهوماً وإرادة اتحادهما ما صدقا ولعل الثاني أقرب انتهى.