البضاعة فيه منهم أبو حنيفة فإنه ذكر في كتابه أن البروج الاثنا عشر لم تسم بهذه الأسماء إلا لأن نظم كواكبها مشاكلة للصورة المسماة باسمها وأن الكواكب تنتقل عن أماكنها وأسماء البروج غير زائلة وإن زال نظم الكواكب ولم يعلم أن نظمها لا يزول ولا يتغير (إلى أن قال) وقد كنت أظن بأبي حنيفة أن له رياضة بعلم الهيئة والرصد فقد كنت بالدينور في سنة خمس وثلثين وثلثمائة من سني الهجرة في صحبة الأستاذ أبي الفضل محمد بن الحسين نازلاً في حجرته وحكى لي جماعة من المشايخ أنه كان رصد الكواكب على سطح هذه الحجرة سنين كثيرة فلما ظهر تأليفه وتأملت ما أودعه كتابه علمت أن الذي كان يراعيه إنما كان طلب الظاهر المشهور من الكواكب وما كان يجده في كتب الأنواء من ذكر المنازل وما أشبهها والناس كلهم متفقون على أن لهذه الكواكب حركة في توالي الأبراج.
ثم قال بعده كلام طويل:
ولما رأيت هؤلاء القوم مع ذكرهم في الآفاق وتقدمهم في الصناعة واقتداء الناس بهم واستعمالهم مؤلفاتهم قد \ تبع كل واحد منهم في تقدمه من غير تأمل لخطئه وصوابه بالعيان وبالنظر حتى ظن كل من نظر فغي مؤلفاتهم أن ذلك عن معرفة الكواكب ومواقعها ووجدت في كتبهم من التخلف ولاسيما في كتب الأنواء من حكاياتهم عن العرب والرواية عنهم اشياء من أمر المنازل وسائر الكواكب الظاهرة الفساد لو ذكرتها طال الكتاب بلا فائدة عزمت مرات كثيرة على إظهار ذلك وكشفه وكان يعتريني فتور في حال واشغال تصدني عن المراد في أخرى إلى أن شرفني الله بخدمة الملك عضد الدولة أبي شجاع بن ركن الدولة رحمه الله تعالى وأنعم الله عليَّ بإدخالي في جملة خو له وحشمه ووجدته من فنون العلم متمكناً وفي المعرفة بها منبسطاً وعلى عامة العلماء مقبلاً والى جميعهم محسناً ورأيته كثير الذكر لأحوال الكواكب مائلاً إلى امتحانها والوقوف على مواقعها من الصور ومواضعها من البروج والدرج بالرصد والعيان ولم أجد بحضرته من المنجمين من يعرف شيئاً من الصور الثماني والأربعين التي ذكرها بطليموس في كتابه المعروف بالمجسطي على حقيقتها ولا شيء من الكواكب التي في الصور على مذهب المنجمين ولا على مذهب العرب إلا اليسير الظاهر المشهور الذي يعرفه الخاص والعام ولم أجد لم تقدمني من العلماء