ذلك إلى حيث ذهابه إلى رحمة الله تعالى وانتقاله والى الله ترجع الأمور، وهو المطلع على خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وكان يومه مشهوداً ضاقت بجنازته الطريق، وانتابها المسلمون من كل فجٍ عميق، يتبركون بمشهده يوم تقوم الأشهاد، ويتمسكون بسريره حتى كسروا تلك الأعواد.
وقال الذهبي مترجماً له في بعض الإجازات: قرأ القرآن والفقه وناظر واستدل وهو دون البلوغ وبرع في العلم والتفسير وأفتى ودرس وهو دون العشرين وصنف التصانيف وصار من كبار العلماء في حياة شيوخه وتصانيفه نحو أربعة آلاف كراسة وأكثر.
وقال في موضع آخر وأما نقله للفقه ومذاهب الصحابة والتابعين فضلاً عن المذاهب الأربعة فليس له فيه نظير وفي موضع آخر وله باع طويل في معرفة أحوال السلف وقلَّ أن تذكر مسألة إلا ويذكر فيها المذاهب والأئمة وقد خالف الأئمة الأربعة في عدة مسائل صنف فيها واحتج لها بالكتاب والسنة ولما كان معتقلاً بالإسكندرية التمس منه صاحب سبتة أن يجيز له بعض مروياته فكتب له جملة من ذلك في عشرة أوراق بأسانيده ومن بحفظه بحيث يعجز أن يعمل بعضه أكبر من يكون وأقام عدة سنين لا يفتي بمذهب معين.
وقال في موضع آخر: بصيراً بطريقة السلف واحتج له بأدلة وأمور لم يسبق إليها وأطلق عبارات أحج عنها غيره حتى قام عليه خلق من العلماء بالمصريين فبدعوه وناظروه وهو ثابت لا يداهن ولا يحابي بل يقول الحق اذا أداه إليه اجتهاده وحدة ذهنه وسعة دائرته فجرى بينهم حملات جزئية ووقعات شامية ومصرية ورموه عن قوس واحدة ثم نجاه الله سبحانه وتعالى وكان دائم الاشتغال كثير الاستغاثة قوي التوكل رابط الجأش له أوراد وأذكار يدمنها.
وكتب الذهبي إلى السكبي يعاتبه بسبب كلام وقع منه في حق ابن تيمية فأجابه ومن جملة الجواب: وأما قول سيدي في الشيخ تقي الدين فالمملوك يتحقق كبير قدره وزخارة بحره وتوسعه في العلوم النقلية والعقلية وفرط ذكاءه واجتهاده وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي يتجاوز الوصف والمملوك يقول ذلك دائماً وقدره في نفسي أكثر من ذلك وأجل ما جمعه الله له من الزهادة والورع والديانة ونصرة الحق والقيام فيه لا لغرض سواه وجريه على سنن السلف وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى وغرابة مثله في هذا الزمان بل من الزمان.