مجله المقتبس (صفحة 3737)

إذا ما قضى ربي بكفري بزعمكم ... ولم يرضه مني فما وجه حيلتي

فوقف عليها ابن تيمية فثنى إحدى رجله على الأخرى وأجاب في مجلسه قبل أن يقوم بمائة واسعة عشر بيتاً أولها:

سؤالك يا هذا سؤال معاند ... مخاصم رب العرش باري البرية

وقال شيخ شيوخنا الحافظ ابن سيد الناس في ترجمة ابن تيمية وهو الذي حداني على رؤية الشيخ الإمام شيخ الإسلام تقي الدين قال: فألفيته ممن أدرك من العلوم حظاً، وكان يستوعب السنة والآثار حفظاً إن تكلم في التفسير فهو حامل رايته أو أفتى في الفقه فهو مدرك غايته أو ذاكر في الحديث فهو صاحب علمه وروايته، أو حاضر بالملل والنحل لم ير أوسع من نحلته في ذلك ولا أرفع من درايته، بزر في كل فن على أبناء جنسه، فلم تر عين من رآه مثله ولا رأت عينه مثل نفسه. كان يتكلم في التفسير، فيحضر مجلسه الجم الغفير، ويردون من بحره العذب النمير، ويرتعون ممن ربع فضله في روضة وغدير، إلى أن دب إليه من أهل بلده داء الحسد وألب أهل النظر منهم على ما ينتقد عليهم من أمور المعتقد، فحفظوا عنه في ذلك كلاماً، أوسعوه بسببه ملاماً، وفوقوا لتبديعه سهاماً، وزعموا أنه خالف طريقهم، وفرق فريقهم، فنازعهم ونازعوه، وقاطع بعضهم وقاطعوه، ثم نازعه طائفة أخرى ينسبون من الفقر إلى طريقه، ويزعمون أنه على أدق باطن منها وأجلى حقيقة، وكشف تلك الطرائق، وذكر لها مراغم وموابق، فآضت إلى الطائفة الأولى من منازعه، واستعانت بذوي الضغن عليه من مقاطعته، فأوصلوا إلى الأمراء أمره، وأعمل كل منهم في كفره فكره، فرتبوا المحاضر، وألهبوا الرويبضة (؟) للسعي بها عند الأكابر وسعوا في نقله إلى حاضرة المملكة بالديار المصرية فنقل، وأودع السجن ساعة حضوره واعتقل، وعقدوا لإراقة دمه مجالس، وحشدوا لذلك قوماً من عمار الزوايا وسكان المدارس، من عامل في المنازعة، مخاتل بالمخادعة مجاهر بالتكفير مبارز بالمقاطعة، يسومونه ريب المنون، وربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون، وليس بالمجاهر بكفره بأسوأ حالاً من المجامل وقد دبت إليه عقارب مكره، فرد الله كيد كل من نحره، ونجاه على يد من اصطفاه والله غالب على أمره، ثم لم يخل بعد ذلك من فتنة بعد فتنة، ولم ينتقل طول عمره من محنة إلا إلى محنة، إلى أن فوض أمره إلى بعض القضاة فتقلد ما تقلد من اعتقاله، ولم يزل بمحبسه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015