التربية من أن يشعر المربى من نفسه بخجل عما أتاه فليس الأولى البعد عن مكافحة حب الذات بل المناسب تنميته على النحو اللائق وتسييره إلى وجه الكمال فمن دواعي التربية وضع الثقة في نفس من تربيه فالأديان تدعو منتحليها إلى الإيمان فمن الضروري كما يقول بعض علماء الأخلاق أن يؤمن المرء بقوته الخاصة بمعزل عن معونة خارجية فأقل شك يطرأ علينا يبتلينا بالعقم وينضب مادتنا ويحول دون انبجاس إرادتنا القوية.
وكما تحافظ على حرمة الولد عليك أن تربيه على حرمة غيره وأن تعرفه بها بأن تضرب على العرق الحساس فيه إذا أحببت أن تلقنه معنى الإحساس فأعرض عليه مصائب الناس وقارنها بما يشعر به من هذا القبيل. وبغلط الوالدان اللذان يخفيان عن ابنهما شقاءهما كأنه رذيلة من الرذائل مع أن الفقر أحسن مدرسة لتعليم الطفل الذي ولد في الرفاهية حتى لا يعتبرها بأنها واجبة أو مضمونة وتنبه فيه الشعور بالشفقة. فمن النافع أن يعرف منذ طفوليته أن من الناس من خانهم سوء الطالع ليعتاد التحنن عليهم والإسراع إلى إغاثتهم.
وتحتاج في تربية الحس ليأتي بثمرات جنية إلى أن توقد جذوته بالتحميس ليعمل الأعمال العظيمة فالواجب أن يلقن الطفل بين العاشرة والحادية عشرة من سنة الولوع بغاية سامية أرقى مما يقع تحت نظره كل يوم وبذلك تتغذى روحه وينتفع بما لديه من القوى والمواد. وخير ما ينفع في هذا الشأن النظر في أنواع التعليم كالعلوم وتاريخ الفنون والآداب فالتعليم أعظم مهماز يربي ميول الطفل ويعده لأن يكون من كبار الرجال ويربأ به عن الانغماس في حمأة المصالح المبتذلة. فالتعليم لا يقوم بوظيفته إذا لم يكن فيه ما يوسع معارفنا بل يوقد شعلتها بتوجيهها نحو الحق والجمال والخير وأساس ذلك التحمس في الإنسان.
ولا يكتفى في تاريخ تعلم الصناعات والآداب بعرضها وتحليلها بل الواجب أن يعلمها الطفل في اللوحات وإليها كل والمصانع والشعر والقصص والخطب فهي لا تأخذ مكاناً من قلبه ويتحمس بها إلا بذلك. يعرض عليه ذلك بالعمل ويشرحه للمعلم فالتعليم الأدبي والصناعي مهما بلغ من غنائه لا يتيسر تلقينه بدون قطع تشرح السر فيه كالتشريح لا يستفيد منه المتعلم إذا لم يكن أمامه جثة. فعلينا أن نبتعد عن التحليلات التي لا مستند لها من الحقيقة لأنها بقطع النظر عما فيها من الضرر اللاحق بالذهن تعود المرء على العمل بالفارغ وهي خالية من تأثير في الحس فمن واجب الأستاذ أن يطلع تلميذه على مقاصد