مجله المقتبس (صفحة 3719)

ويا سعد من لم يره أبواه لأنه في الأكثر يدللانه دلالاً يفسده فلا ينتهرانه لتربية نفسه خوفاً من بكاءه أو أن يفقدوا ابتسامة مؤقتة فتسوء تربية الطفل والطفلة بصنع أبويهما وإنالتهما كل رغائبهما وماذا يظنه الولد في نفسه متى رأى حواليه أناساً على أهبة تامة لسماع ما يقوله والإعجاب به وتدليله واستحسان كل ما يصدر من فمه أو يصفقون تصفيق السرور لكل ما يقوله مما يخالف الأدب. فلو كان رجلاً لما وسع عقله كل هذا التصفيق والاستحسان فما بالكح به وهو طفل.

ومن النسا من يسيرون على عكس هذه الخطة فيناكدون الطفل في أقواله وأفعاله ويغضبونه في عامة أحواله ويعلمونه الحسد بما يستعملونه معه من ضروب التهديد الشديد الدائم الذي يروقهم تكراره وهذا من مفاسد التربية أيضاً.

فعلى الوالدين أن يباعدا عن الطفل ما يرتكبه من المضرات في تربيته فلا يشتدان عليه ولا يرخيان له العنان بل تكون تربيتهما إلى القصد فلا يمنعانه من لذائذه بكل ما يطلب ويجيبانه من رغائبه إلى كل ما يشتهي فقد قيل من يحب كثيراً يعاقب كثيراً فتأنيب الطفل من أهم فروض الوالدين وأكبر مظهر من مظاهر عنايتهما. والأولاد كالأمم يعزون الصرامة ولا يحبون إلا ما يحترمون. كل هذا بدون أن يخلو ساعة من سرور ابنهما حتى يعيش ويكون تجليه سروراً طوال حياته.

قلنا أن الوالدين ينبغي أن يكونا خير قدوة لابنهما فهو لا يتأثر بالفضيلة إلا إذا رآها بالفعل مائلة أمامه منذ نعومة أظفاره وكم من الناس لا يتطالون إلى هذه الغاية لأنهم عاشوا في وسط غير متمدن ومنهم من يحفظون حطة نفس ينم علبيها تبذل أخلاقهم ومعلوم أن لهذه تأثير في القلب وهكذا الحال في كل الفضائل فإذا شاهدها الطفل اليوم بعد الآخر يتشربها وتطمح نفسه إلى أن يأتيها بذاته. فمن أبوين حرين ينشا طفل مخلص ومن أب محتشم يكون الولد عفيفاً ومن أسرة طاهرة يخلق الولد تقياً نقياًَ. فالعدوى في هذا الباب أشد فعلاً في الطفل من قانون الوراثة وإن للحركات والسكنات أفعالاً في خلقة الطفل وخلقته ولذلك وجب أن تصدر عن النفس دائمة لا متقطعة.

وكما يقضى على الأبوين أن يكونا خيبر قدوة لابنهما يجب عليهما أن يبذرا في نفسه البذور الصالحة وذلك بأن ينميا فيه حب الذات أو الإعجاب بأحسن ما فيه فليس أحسن في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015