يتعلم كتاب فالحس من ثم هو الحد الفاصل بين أن يجعل الرجل في كبار الرجال أو في طبقة ضعاف المغفلين.
وإذا حيد باستعداد الطفل عن الجادة منذ صغره لا يلبث أن يكون استعداده مبعث كثير من المفاسد وأصل جم من الخطايا يرسل بأحسن ما فيه عن مائية إلى الأغصان الشرهة الطفيلية فتهولك الأغصان النافعة وتقوى دواعي الهوى والشهوات فقد قال بول بورجه: تكاد تكون معظم الأمراض العصبية ناشئة من اضطراب العشق ومبدأ كل هذا الاضطراب من رداءة التدبير الصحي الأخلاقي زمان البلوغ فمن الحس تنشأ المطالب العالية والمطالب الدنيئة وهذه القوة أو هذا الأساس في كل قوة شواءٌ كان في الخير أو في الشر ينبغي أن لا يترك وشأنه في الولد على حين هو لدن رخيص إلى الغاية فإذا هب على ما يجب يكون منه أبطال وقديسون وإلا فلا أقل من أهل حشمة ووقار.
وأكثر ما يكون مربياً للحس بيت العائلة والتربية الأصلية هي التي تجعل الولد على استقامة لا ينالها من تربية أخرى وفي حب الوالدة ولدها معنى من معاني الظرف تصحب المرء إلى قبره ولكم كانت عناية الأم أكبر مخرج للرجال الأعاظم حتى قالت العقيلة نيكر دي سوسور إن الحنان هو الحرارة الضرورية لتنمية الجراثيم السعيدة.
والمدارس الداخلية مضرة وهي لصغار السن جريمة ويتضرر البنات وهن سيصبحن ملائكة البيت بدخولهن المدارس الداخلية إذ يبتعدن عن الأسرة بل عن العالم ويفطم الولد من الحب ولا يعرف غير جفاء النظام والعذاب والمجرد وقلة مبالاة الإدارة بأمره.
يتعذب وما من أحد يعنى به عناية حقيقية أو يعرف ذوقه وميوله ولا يجد حوله من يبوح إليه بذات نفسه فهو وحيد محروم من الهواء وإحساسه يذبل إذا لم نقل يفسد ولذلك كانت المدارس الداخلية في فرنسا لا تخلو من مفاسد تلحق الأخلاق. وقد انتبه الإنكليز لذلك فلم يعودوا يرسلون بناتهم إلى المدارس الداخلية بل يجعلونهن في بيوت معلماتهن على أخلاقهن وينجون من إدارة تسير على هواها كإدارة الحبس فأفضل اختيار البيت لتربية الأولاد فيه فليس كالأسرة التي يخرجنا منها وازع يحف طفولتنا بعنايته ويعلمنا الظرف واللطف والطهارة التي كتب فيها رينان الفيلسوف يقول: أينم يتعلم الطفل أو الفتى الطهر وصفاء السريرة اللذين هما أساس كل أدب راسخ ويدرك زهرة العواطف التي تكون ذات