الصناعات هو أحق به أن يطلب لجميع المتعلمين إذا أردنا أن يكون لهم عقل سليم فقي جسم سليم.
تربية الحس
كتب بول غوتليه من علماء التربية في فرنسا مقالة في نقص تربية الحس في مجلة التربية جاء فيها: لا أرى في التربية أكثر إهمالاً في العادة من تربية الحس فإنه متروك وشأنه ينمو كما يشاء وعلى النحو الذي يشاء فيأخذ بالاتفاق ذات اليمين أو ذات الشمال في المدرسة والأشرة وترى الآباء والأمهات والمعلمين والمعلمات يعنون بما في جهدهم بتلقين العلوم ولا يلتفتون إلى تربية القلب في حين أن الحس أصل القوى كلها ومبدأ كل حياة ولا أثر للذكاء والإرادة بدونه على ما أبان ذلك الفلاسفة المحدثون أمثال ريبو وفوليه وبرجسون. فالفكر الذي لا يقتبس من حرارته عار عن القوة. فبه تعرف مطويات الضمائر وعناوين الأمزجة وغاية الجهد بل هو الصورة لما في الأفراد من مزايا الإبداع. قال روسكين (من علماءؤ الاجتماع الإنكليز): إننا نشكو من قلة الحس أكثر من كثرته فقلته أدت ببعض الأرواح إلى الابتذال فمن آثار قلته عادات وأعمال تخالف الإنسانية لا خوف يزعجها ولا فرح ولا شرف ولا تقوى يهزها فإذا تثاقلت يد المرء في تعاطي العمل وجف قلبه وساءت عاداته وجمد فؤاده يصبح مبتذلاً على قلة عواطفه وسرعة ذكائه وجودة مأتاه ومنزعه فالعقل لا يعرف غير الحق فهو الإنسانية الربانية تستحكم من القلوب فتدرك الإلهيات وصالح الأعمال.
فالحس يقرب بين الشخصيات ويسيطر على العواطف فيجمع الناس في أفراجهم ويشكرهم بعضهم مع بعض في أتراحهم بل هو السلسلة التي تربط كلاً منا بالعالم كله فهو الموزع الجوهري بين الشخصيات. والأفكار والأعمال نتيجة لازمة عنه وهو كذلك الصلات بين الأفكار. إذا نقص فلا شيء يحدو نحو الوكمال بل أن الكمال يفقد جملة ويجف معين العلم والصناعات والفضائل ويتعذر العلو وتفقد العشرة وتنحل ربط الاجتماع فلا إحساس ولا شفقة. إذا فقد الحس تضعف الإرادة ويبقى العلم ظلاً زائلاً ويفنى الذكاء. ولطالما رأينا علماء وهم مغفلون لو استقرت أحوالهم تجد لا فرق بينهم وبين حمر الخلائق لأن العلم لم يرق فيه الحس الرقيق الذي يمكنهم من معرفة ما لا يقع مباشرة تحت حواسهم وهو قلما