لمطولات ثم بعث بها في الصبح إلى عالم النشر دون معاودة نظر أو تثبت وما ذلك إلا أثر من آثار ضيق الطعن المنبعث عن هزال الجسم وسوء الهضم أعاذ الله منهما كل ناظم وناثر فإنهما آفة الإتقان ومجلبة التعس والمرارة والشقاء لبني الإنسان وما مصدرهما فيمن قدر له أن يعيش بعقله وعلمه إلا الإمعان في السهر وعدم الاعتدال في الدراسة منذ الصغر فيلتق الله الكاتبون في أجسامهم أن لهم فيما نعالنهم به عظة وعبرة وإن كانوا ممن يتدبرون.
وهنا_والشيء بالشيء يذكر_نأتي على كلام لأبي عثمان الجاحظ مما لا يخرج عما نحن في شأنه وتتوفر فيه الفائدة لمن رزقوا حظ الكتابة ولم يهتدوا إلى قانون يقوي فيهم ملكة الإنشاء ويبعثهم على الإجادة في الصناعة فإن ذلك أهم ما يحتاجه المنشئون هذه الأيام بعد أن قوضت فوضى الأقلام أركان البلاغة وشوهت ديباجة البيان وأضاعت سر التأنق في الترسل حتى زالت عنه مسحة الجمال إلا في عدد نزر ممن أوتوا نصيبهم من سلامة الذوق والعلم وألهموا الهداية في صناعتهم هذه الشريفة إلى محجة الكلام فرسخت في أذهانهم قواعد التحرير والتحبير واستحكمت في صدورهم أساليب التفنن بصوغ المعنى الصحيح في قالب اللفظ الفصيح حتى استقامت لهجتهم ووضح منهاجهم وعذب بيانهم فنسجوا على منوال خاص بهم تشربه القلوب وتستحسنه الأذواق وتعشقه النفوس على ما فيه من السهولة والانسجام ومتانة التراكيب: قال الجاحظ:
يقول جهابذة اللفظ ونقاد المعاني وأساطين البيان. المعاني القائمة في صدور الناس المتصورة في أذهانهم المختلجة في نفوسهم المتصلة بخواطرهم والحادثة عن أفكارهم مستورة خفية وبعيدة وحشية ومحجوبة مكنونة وموجودة في معنى معدومة لا يعرف الإنسان ضمير صاحبه ولا حاجة أخيه وخليطه ولا معنى شريكه والمعاون على أمره وعلى ما لا يبلغه من حاجات نفسه إلا بغيره وإنما يحيي تلك المعاني ذكرهم لها وأخبارهم عنها واستعمالهم إياها. وهذه الخصال هي التي تدنيها إلى الفهم وتجليها للعقل وتجعل الخفي منها ظاهراً والغائب شاهداً والبعيد قريباً. وهي التي تلخص الملتبس وتحل المنعقد وتجعل المهمل مفيداً والمقيد مطلقاً والوحشي مألوفاً وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الإشارة وحسن الاختصار ورقة المدخل يكون ظهور المعنى. وكلما كانت الدلالة أوضح