جاء في ترجمته من هذا الكتاب نقلاً عن ابن كثير:
(الجمال المحقق أحمد بن عبد الله بن الحسين الدمشقي) اشتغل على مذهب الشافعي وبرع فيه وأفتى وأعاد وكان فاضلاً في الطب وقد ولي مشيخة الدخوازية (مدرسة طبية) لتقدمه في صناعة الطب على غيره وعاد المرضي بالبيمارستان النوري على قاعدة الأطباء وكان مدرساً بالشافعية بالمدرسة الفروخشاهية ومعيداً بعدة مدارس إلى آخر ما قال:
هذا يدلكم على أن العلوم كانت مشاعة بين العلماء وأن العالم بالشرع قد يكون عالماً بعلوم أخرى من العلوم النظرية والعملية كالفلسفة والطب والموسيقى والرياضيات وغيرها من العلوم التي قامت على دعامتها المدنية الإسلامية وكانت الحلقة الوسطى بين المدنية القديمة والمدنية الحديثة حتى اعترف بفضلها على التمدن الغربي كثير من علماء التاريخ والاجتماع في أوربا كدربي ومونتسكيو لوبون وأفردوا للمدنية الإسلامية كتباً خاصةً أتوا فيها على ذكر ما تركته هذه الحضارة من آثار الترقي والعلم التي يجهلها أهله لهذا العهد بالأسف والعار.
نحن الآن أيها السادة بصدد علماء دمشق في القرون الوسطى وإنما هم حلقة من سلسلة تلك المدنية الإسلامية التي أخنى عليها الزمان وإذا سمحتم لي فأني أختم كلامي بنبذة من تاريخ تلك السلسة بعد استيفاء الكلام على كتاب الدارس هذا إن شاء الله.
علمنا مما سبق أن عدد المدارس ودور العجزة التي أنشئت في دمشق ولكن من الذي أنشأ هذه المدارس ورفع بنيانها وأدر الخيرات عليها وأنفق على طلابها من ماله أهي الحكومة أو الأفراد أو الجماعات؟
بلغ بنا الضعف أن صرنا كالأطفال نطلب كل شيء من الحكومة كما يطلب الطفل كل شيءٍ من والديه أما أسلافنا فلم يكونوا كذلك بل كانوا استقلاليين أكثر منهم اتكاليين يعرفون قيمة الاعتماد على النفس فكان الفرد الواحد يقوم بما تقوم به الجماعة أو يطلب من الحكومة اليوم.
ولهذا فإن كل ما جاء ذكره في هذا الكتاب من المساجد والتكايا والمدارس إنما أنشأه الأفراد وقام بمال أهل السخاء من أسلافكم الطيبين لمحض الخير وإرادة نشر العلم وخدمة الوطن والدين.