مجله المقتبس (صفحة 3308)

ثمار العلوم الهندسية واقفلي إلى هذه البلاد بفيض من المكارم العربية. أيتها البواخر الآيبة حيي عن جسر بروكلن خراب تدمر وقلع بعلبك واقرأي أهرام مصر سلام هذه المعالم الشاهقة المشعشعة بالكهرباء. سيري أيتها السفن بسلام وارجعي بسلام.

وقد شاهدت الآن ثلاثة مناظر عظيمة لا أقدر أن أنساها حياتي. لا أتناساها لأنها عندي أشبه برموز جميلة لدعائم الحياة الروحية الثلاث وهي مراحل في رحلتي الفكرية التي باشرتها منذ خمس سنين_أو من حين ولدت. نعم إني طفل في العالم الروحي إني سائح في مروج النفس وأوديتها أمامي مسافة طويلة يجب أن اجتازها وتحتي هوة هائلة يجب أن أسبر أغوارها وفوقي فضاء غير متناه فينبغي لي أن أتمتع بجماله وحولي من المروج والجبال والأنهر والبحار ما يشغل معظم وقتي لو عشت ألف عام.

أما المناظر الثلاثة التي تمتع بها طرفي حتى الآن فقد تركت أثراً عظيماً في نفسي فهي لبنان وسواحله من ذروة جبل صنين وباريز من على برج إيفل ونويرك من الليل في منتصف جسر بركلين فالأول إنما هو رمز الطبيعة والثاني رمز الفنون الجميلة والثالث رمز الكد والاجتهاد وهذي هي دعائم الحياة الروحية الثلاث فالمنظر الأول صنعه الله والمنظران الآخران صنعة الإنسان المنظر الأول أو الطبيعة هو منبع النفحات الإلهية والإلهامات الروحية والمنظر الثاني أو باريز هو منبع التفنن في الصناعة على الإطلاق والمنظر الثالث المنبسط أمامي الآن إنما هو عنوان الجهاد والجلد والثبات والنجاح.

فإذا كنت أيها القارئ شاعراً أو مصوراً أو كاتباً بل لو كنت صباغاً أو دباغاً أو إسكافاً وجه نظرك إلى الطبيعة أولاً تستمد منها الإلهام الإلهي وعنها تقتبس الألوان البديعة والمناظر الجميلة والأشكال الأنيقة والنفحات السماوية وعرج على باريز ثانياً تتعلم فيها دقة الصناعة ولطافة الأسلوب وجمال الفنون وغرابة الإبداع وسر الابتكار وانزل على نويرك ثالثاً تأخذ منها الاجتهاد والجلادة وتتعلم من أهلها الاستقلال في العمل والثبات بعد الفشل. الطبيعة_التفنن_الاجتهاد هذي هي أساس الأعمال الفكرية هذي هي دعائم الحياة الروحية. لبنان_باريز_نويرك_في الأولى روحي في الثانية قلبي وفي الثالثة جسدي.

والكاتب ليس من الملاحدة كما يتهمه أعداؤه بل هو ملحد بأكثر ما يتخرص به المتخرصون من الشروح على المنون ومن قرأ مقالته في فلتر الفيلسوف الفرنسوي يتجلي له من أي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015