والمعمل وأدوات الصنائع المتروكة. وأما الآن فلا يهزهم سوى نهمة وحشية واحدة فتراهم قد فقدوا كل عاطفة بشرية تراهم يفرحون ويتهللون بسفك الدماء فيصرخون وقد ملأت رائحة الدم خياشيمهم اقتلوا اقتلوا اقتلوا. هذه هي الصورة الهائلة التي صورها كارليل.
وهناك صورة أخرى تمثل الجيشين المتعاديين صورها كارل مركس بقلمه. وليست الصورة هذه مشهورة كالأولى ولكن ستصبح عزيزة فريدة في المستقبل فتفوق صورة كارليل شهرة وتستمطر على موحيها ومؤلفها رضوان الله وثناء العباد. وليست هي في الحقيقة صورة بل هي نبوة قد يشاهد أحفادنا تحقيقها عياناً. وصف كارل مركس اجتماع الجيشين يقتتلان كما وصفهما كارليل فهما أيضاً مؤلفان من عامة الناس الذين يقدمهم الحكام طعمة للحرب قال: ها قد دعوا الآن إلى ساحة القتال ولا مصلحة تبعثهم عليه ولا غرض ولا ثأر ولا مبدأ ولا داع البتة ولا سبب يتعلق بشؤونهم الخصوصية ولا واجباً حقيقياً نحو الأمة والوطن يوجب عليهم سفك الدماء الزكية ومع هذا كله ترى الكهنة بينهم يحرضون على عادتهم عملاً بتقاليد تجارتهم وبعد أن يبثوا في الجيشين روح الدين - بعد أن يشحذوا في قلوب الرجال نهمة القتال يتقهقرون ساكنين ويتخذون لهم مراكز آمنة في مؤخرة العسكر. وكأنك بالجيشين قد تقابلا وصدرت أوامر القواد ولكن بدل أن يهجم الرجال بعضهم على بعض هذه المرة هجوم الأعداء تراهم قد رموا بسلاحهم إلى الأرض وتصافحوا مصافحة الإخوان. وعندئذ يختفي إلى الأبد شبح الحرب الهائل. ويهجر الكهنة والعقبان ساحة القتال آسفين. ويتنازل الحكام عن عروشهم ويتعزز الإخاء الحقيقي ويبتدئ عصر الإنسانية.
ومن لا يفضل صورة كارل مركس هذه على صورة كارليل: من لا يعمل استطاعته ليقرب اليوم الذي فيه تتحقق هذه النبوة؟ ومن لا يبذل ما في وسعه في سبيل هذه الأمنية الجميلة؟ فسقيا لليوم الذي فيه يبتدئ عصر الإنسانية والمحبة البشرية.
لبنان
أمين ريحاني