مجله المقتبس (صفحة 327)

جيوش المستقبل

جاء في العدد الأخير من مجلة البابيروس التي ينشئها صديقي ميخائيل مونان الكاتب الأمريكي البليغ مقالة من قلمه تحت عنوان صورتان يقابل فيها بين كلام لكاريل في الحرب وكلام لكارل مركس فاستحسنت نقلها إلى المقتبس لإرجاء نشر محاسن مجلة صديقي الصغيرة النفيسة التي لا تنفعها الشهرة العربية بل حرصاً على بث رأي الفيلسوف الألماني الجميل وحباً بالسلم العام الذي لا يستتب كل الاستتباب إلا إذا تأصلت جرثومة بغض الحرب في قلب كل إنسان. لكاريل فصل مشهور يصف فيه جيشين متعاديين واقفين في ساحة القتال ينتظران أوامر قوادهما على حين ليس من عداوة بين رجال الجيشين ولا ثأر ولا تراث ولا يحملهم على القتال شيء من الضغائن الشخصية ولا دعاهم إلى ساحة الحرب داع من دواعي الأمة والوطنية التي يحسبها بعضهم شريفة جليلة فهم هناك امتثالاً لإرادة حكامهم المطلقة وطوعاً لأوامرهم العالية. هم ثمت لا لأسباب لها مساس بشؤونهم العالمية ولا لدواع تستلزمها مصالحهم الخصوصية ولا لأغراض ينفعهم تعزيزها وتنفيذها ولا لمبادئ يهمهم نشرها ومعرفتها وتراهم مع هذا هجروا نساءهم وأولادهم وبيوتهم وآباءهم وأمهاتهم وكل ما يرغبهم في الحياة ليريقوا دماءهم الطاهرة ودماء غيرهم من الأبرياء من أجل أهواء حكامهم الخبيثة أو مطامعهم الباطلة. وفي كلا الجيشين كهنة يحرضون الرجال على القتال ويزينون لهم الجهاد في سبيل الأمة والوطن. يزينون لهم سفك الدماء الذي يؤهلهم إلى الخلاص بالمسيح كما يزعمون. ويبرهنون لهم أحسن برهان بأن عملهم هذا مطابق للإرادة الإلهية التي يمثلها في حكامه المختارين المباركين ولما كان الكهنة يعزون مثل هذا الجهاد إلى إرادة إلهية شأنهم في كل حرب منذ بدأت القبائل والشعوب تغزو بعضها بعضاً للقتل والسلب والنهب فينتج عن ذلك أن الله عز وجل هو المسؤول وحده عن الحرب وأهواله. وهكذا يهجم المتحاربون بعضهم على بعض هجوم الوحوش الضارية وقد فعلت هذه المنبهات الدينية في الرؤوس فيذبحون إخوانهم ويفادون بأنفسهم للذبح راضين قانعين لأن حكامهم أمروا بذلك وكهنتهم آذنوا به بل حرضوا عليه. على أنهم يسيرون إلى ساحة الحرب بادئ بدءٍ بفتور همة وتردد حتى إذا تقابل الجيشان تتغير الوجوه وتلعب في القلوب روح الهمجية ونهمة القتال. فينقلبون سريعاً وأي انقلاب. ولم يكونوا من قبل ليفكروا في غير بيوتهم وعيالهم المهجورة وفي النول والمحراث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015