وعاداتها وقوانينها فقضت الحال للتعبير عن أفكار جديدة لإيجاد ألفاظ جديدة وكان معجم اللغة التركية الفارسية العربية يكفي في أحوال كثيرة لسد هذه الثلمة ولكن الأتراك رأوا من النسب قبول التعابير الأجنبية ولاسيما الإفرنسية منها عَلَى ما هي عليه. وإذا غيروها أحياناً فإنما يغيرونها لتكون موافقة للفظ التركي. وزاد هذا الاقتباس من الإفرنسية إنشاءُ صحافة تركية وطنية نسجوا فيها عَلَى مثال الصحافة الوربية وكثر شعف أدباء العثمانيين بتلاوة مصنفات الفرنسويين حتى حلت محل مصنفات الفرس نحو سنة 1850 فأصبحت المثال الذي يحتذيه كتاب الأتراك ولاسيما ترجمة القصص الفرنسوية التي هي في الأكثر من أسلوب الإنشاء الطبيعية.
ثم عاد القوم منذ خمسة عشر سنة يريدون وضع حاجز دون هجوم الدخيل عَلَى لغتهم وطرح ما دخلها منه وأرادوا أن يعبروا عما يريدون بالألفاظ التركية وإذا لم يكن فيها ما يقابل اللفظ الإفرنجي يعمدون إلى الفارسية أو العربية. وكاد هذا الإصلاح يأتي بالنتائج المنتظرة منه خصوصاً وأن له علاقة بالحركة لتوحيد اللغة العثمانية وهي الحركة التي أشير عليها وسنعود إلى الكلام عليها. وعلى أي حال فإنا نرى الآن في الصحافة التركية ألفاظاً مولدة مثل تحت البحر سفينة سي أي غواصة وآثار عتيقة أي العاديات أو الآثار العتيقة وبيطر فلك الحياد بين الملل دولي وغيرها. وقد نقلوا إلى التركية كما نقل كتاب العرب ألفاظاً إفرنجية وضعوا لها مسميات فترجموا دراعة بلفظ زرخلي ولكن الطراد أبقوه عَلَى أصله الفرنسوي فقالوا (كروازور) وقالوا عن النسافة (توربيدو) وهي من الإيطالية وبالإفرنسية (توربل) و (غانيوط) أي سفينة مدفعية وهي من الإنكليزية (كونبوت).
أما المصطلحات العلمية فتكاد تكون تقريباً بأجمعها تركية أو فارسية أو عربية ويعمد إلى الفرنسوية واللاتينية في النادر ولا تستعمل الإنكليزية ولا الألمانية.
أما سائر اللهجات الشرقية التي تأثرت من اللغات العثمانية باللغات الأوربية فإن اللغة الروسية تكاد تكون وحدها منفردة بهذا الامتياز ولا يشاهد ذلك إلا في اللغة التتارية خاصة والظاهر أن ذلك بدأ في النصف الأول من القرن التاسع عشر فإنك تجد في القصص الهزلية التي ألفها أليرزا فتح العلي آخوان زاده التي كتبت بين سنتي 1850 و1860 بعض الألفاظ لم تكن روسية فتكون قد سرت إلى التتارية من اللغة الروسية مثل (زاكون)