تتمة ما ورد في الجزء الماضي.
مزاعمهم في الهاتف والناقل والرائي
قال الجاحظ: والأعراب وأشباه الأعراب لا يتحاشون من الإيمان بالهاتف بل يتعجبون ممن رد ذلك فمن ذلك حديث الأعشى ابن ماس بن زرارة الأسدي أنه سمع هاتفاً يقول:
لقد هلك الفياض غيث بني فهر ... وذو البياع والمجد الرفيع وذو القدر
قال فقلت مجيباً له:
ألا أيها الناعي أخا الجود والندى ... من المرءِ تنعاه لنا من بني فهر
فقال:
نعيت ابن جدعان بن عمرو أخو الندى ... وذا الحسب القدموس والمنصب القصر
قالوا ولنقل الجن الأخبار علم الناس وفاة الملوك والأمور المهمة كما تسامعوا بموت المنصور في اليوم الذي توفيه فيه بقرب مكة. وهذا الباب أيضاً كثير.
وكانوا يقولون إذا ألف الجني إنساناً وتعطف عليه وخبره ببعض الأخبار وجد حسه ورأى خياله، وإذا كان عندهم كذلك قالوا مع فلان رئي من الجن. وممن يقولون ذلك فيه عمرو بن لحاء ابن قمعة_والمأمون الحارثي_وعتيبة بن الحارث بن شهاب في ناس معروفين من ذوي الأقدار من بين فارس رئيس وسيد مطاع.
فأما الكهان فمثل حارثة بن جهينة وكاهنة باهلة وعنز سلمة ومثل شق وسطيح وأشباههم.
وأما العراف وهو دون الكاهن فمثل الأبلق الأسيدي والأجلح الزهري وعروة بن زيد الأسدي وعراف اليمامة رباح بن كحلة وهو صاحب المستنير البلثعي وقد قال الشاعر:
فقلت لعراف اليمامة داوني ... فإنك إن أبرأتني لطبيب
وقال جبهاء الأشجعي:
أقام هوى صفية في فؤادي ... وقد سيرت كل هوى حبيب
لك الخيرات كيف منحت ودي ... وما أنا من هواك بذي نصيب
أقول وعرة الأسدي يرقي ... أتاك برقية الملق الكذوب
لعمرك ما التثاؤب يا ابن زيدٍ ... بشافٍ من راق ولا مجيب