أشغال الفينيقيين - عاش الفينيقيون بالتجارة لازدحام أقدامهم في بقعة ضيقة من الأرض. ولم يكن لسائر شعوب الشرق من مصريين وكلدانيين وآشوريين ولا قبائل الغرب البربرية (الأسبان والغاليين والطليان) عهد بركوب البحار وشق العباب والفينيقيون وحدهم جرأوا في تلك الأيام على تجشم البحر فصح أن يدعوا من أجل هذا عملاء تجارة العالم القديم وقادة البيع والشراء يبتاعون من كل شعب سلعه ويتقايضون معه على غلات البلاد الأخرى تجارة كانت مستحكمة الصلات مع الشرق براً والغرب بحراً.
القوافل - اعتاد الفينيقيون أن يرسلوا في البر قوافل تتجه وجهات ثلاث إحداها إلى بلاد العرب لتأتي منها بالذهب والعقيق اليماني والبخور والصبر وعطور بلاد العرب واللؤلؤ والأباريز والعاج والأبنوس وريش النعام وقرود الهند. والقافلة الثانية ترحل إلى بلاد أشور لتعود منها بأنسجة القطن والكتان والحمر والأحجار الكريمة والماء المعطر وحرير الصين. وتقصد القافلة الثالثة أنحاء البحر الأسود لتستجلب منها الخيل والرقيق والأواني النحاسية من مصنوعات سكان جبال قافقاسيا القوقاز.
بحريتهم - بنى الفينيقيون بخشب أرز لبنان المتين قوارب بأشرعة ومجاذيف حملوا عليها متاجرهم البحرية وما مست حاجتهم أن يكونوا أبداً على مقربة من الشواطئ في ركوبهم البحر إذ كانوا يتجهون حيثما أرادوا بجعل نجمة القطب قيد نواظرهم وكانوا يستدلون بها على الشمال. ولقد فطر الفينيقيون على الاستخفاف بركوب اليم فألفوا بأنفسهم في مراكب صغيرة تغدو بهم وتروح في أطراف البحر الرومي بل جرأوا على اجتياز مضيق جبل طارق أو كما دعاه القدماء أعمدة هيركول فيجتازون البحر المحيط إلى شواطئ إنكلترا وربما بلغوا بلاد النروج. سافرت عصابة منهم في خدمة أحد ملوك مصر في القرن السابع وجازت البحر الرومي لتطوف حوالي إفريقية ثم رجعت على ما قيل بعد ثلاث سنين من البحر الأحمر وغادرت قرطاجنة حملة ضربت نحو شاطئ إفريقية إلى خليج غينة. وقد كتب القائد حانون قصة في هذه الرحلة.
البضائع - كان الفينيقيون يبتاعون محاصيل صناعات الشعوب المتمدنة ويبحثون في البلاد المتوحشة عما يقل الظفر به في المشرق من المحاصيل. يصطادون الصدف من شاطئ بلاد اليونان ومنه يستخرجون صباغاً أحمر وهو الأرجوان. وكانت الأنسجة