مجله المقتبس (صفحة 2955)

وإذا اراد الله نشر فضيلة ... يوماً أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار فيما جاورت ... ماكان يعرف طيب عرف العود

ولم أر في هذه الشعوبية أرسخ عداوة ولا أشد نصباً للعرب من السفلة والجشوة وأوباش النبط وأبناء اكرة القرى فأما أشراف العجم وذوو الاخطار منهم وأهل الديانة فيعرفون مالهم وما عليهم ويرون الشرف نسباً ثابتاً.

وقال رجل منهم لرجل من العرب: إن الشرف نسب والشريف من كل قوم نسيب الشريف من كل قوم: وإنما لهجت السفلة منهم بذم العرب لأن منهم قوماً تحلوا بحلية الأدب فجالسوا الأشراف وقوم اتسموا بميسم الكتابة فقربوا من السلطان فدخلتهم الأنفة لآدابهم والغضاضة لأقدارهم من لؤم مغارسهم وخبث عناصرهم فمنهم من الحق نفسه بأشراف العجم واعتزى إلى ملوكهم واساورتهم ودخل في باب فسيح لا حجاب عليه ونسب واسع لا مدافع عنه ومنهم من أقام عَلَى خساسة ينافح عن لؤمه ويدعي الشرف للعجم كلها ليكون من ذوي الشرف ويظهر بغض العرب يتنقصها ويستفرغ مجهوده في مشاتمها وإظهار مثالبها وتحريف الكلم في مناقبها وبلسانها نطق وبهممها انف وبآدابها تسلح عليها فإن هو عرف خيراً ستره وإن ظهر حقره وإن احتمل التأويلات صرفه إلى أقبحها وإن سمع سوءاً نشره وإن لم يسمعه نفر عنه وإن لم يجده تخرصه فهو كما قال القائل:

إن يعلموا الخير يخفوه وإن علموا ... شراً أذيع وإن لم يعلموا بهثوا

ومن ذا رحمك الله صفا فلم يكن له عيب وخلص فلم يكن فيه شوب.

وقيل لبعض الحكماء هل من أحد ليس فيه عيب فقال لا لأن الذي ليس فيه عيب هو الذي لا يموت وعائب الناس يعيبهم بفضل عيبه وينتقصهم بحسب نقصه ويذيع عوراتهم ليكونوا شركاءَه في عورته ولا شيء أحب للفاسق من زلة العالم ولا إلى الخامل من عثرة الشريف قال الشاعر:

ويأخذ عيب الناس من عيب نفسه ... مراد لعمري إن أردت قريب

وقال آخر:

وأجرأُ من رأيت بظهر غيب ... عَلَى عيب الرجال ذوو العيوب

وقد كان زياد بن أبي سفيان حين كثر طعن الناس عليه وعَلَى معاوية في استلحاقه عمل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015