والمختصرة ينتقل من واحد إلى آخر حتى يفرغ صبره ولو قرأ أحد هذه الكتب المطولة قليلاً كابن عقيل وشرحه مثلاً لأغنته عن هذا التطويل الذي يضيع به وقته ويتبلد ذهنه وتفوته الغاية المقصودة من الطلب واللغة آلة لا غاية. ولكن عقم طريقة التعليم قضى أن لا يتعلم طلبة الجوامع والمدارس سواء كان في الديار المصرية والبلاد العثمانية إلا هذه القوانين والقواعد ويحرموا من تطبيق النظر على العمل.
وليت شعري أليس من فساد طريقة تعليم المشايخ أن لا يعلم الطالب منهم كتاباً أو شذرة من علم الأدب واللغة ليتفهم أثناء دراسته النحو والصرف والبيان معاني الكلام الفصيح ويطبق النحو والصرف والبيان والمنطق على العمل ثم يتأتى له تأليف جملة صحيحة عربية وكيف يتأتى للمرء إتقان لغة دون أن يطلع على كلام أهلها وكيف يؤلف الكلام من لا يفهمه وهل اللغة الإسماع من أصحابها والجري على مناحي بلغائها وما نظن الغزالي وابن رشد وابن سينا وابن الطفيل وابن زهر وأبا حيان وابن جرير الطبري والماوردي ومئات غيرهم في الإسلام كانوا يعرفون فروع النحو ودقائقه مثل ابن الحاجب وابن عقيل والبركوي والصبان وإضرابهم من أئمته ومع هذا انتفعت الأمة بكتب أولئك الفلاسفة والعلماء انتفاعاً يبقى أثره على الدهر ولم تعهد لهم غلطة شائنة ولا أسلوب ركيك.
لا يتيسر إتقان لغة من لغات العالم كلها إلا بالسماع من أفواه أهلها وسلوك الطريقة العلمية في اقتباسها فلو أتقن الطالب جميع قواعد النحو والصرف والبيان والمنطق كما هو الحال الآن في هذا الصنف من المتعلمين ولم ينظر في تحليل الكلام العربي واستظهار القدر اللازم من منثوره ومنظومه ولم يتدبر معاني الكتاب ولا أخذ بقسط من الحديث وغيره ما استطاع الطالب أن يفهم روح اللغة العربية على أصولها ومن لم يفهم اللغة كان حرياً بأن لا يفهم أسرار الشريعة على ما يجب.
إن المدارس الغير نظامية كالأزهر والفاتح صدت الناس عن الطلب لما اعترضهم دونه من العقبات بالطريقة العقيمة المتبعة معهم وأي طريقة أفسد من أن يظل الشيخ يشرح للطالب المبتدئ في أول يوم يشرع فيه بتعلم النحو كيفية إعراب البسملة ووجوه قراءتها على حين يكون الطالب غفلاً لا يعرف الجار من المجرور ولا المرفوع من المنصوب ولا الصفة من الموصوف وهكذا يبقى الشيخ يضيع وقته ووقت الطالب على غير جدوى وقد رأيت من