مجله المقتبس (صفحة 2816)

طريقة التعليم

كان من أول الإصلاح في أوربا أواخر القرون الوسطى وأوائل القرون الحديثة لما شرعت الأمم الراقية فيها تدرس العلوم المادية والأدبية أن أتت على طريقة التعليم تصلحها بما يقتضيه حال الزمن والتجارب فتم لها في أوائل القرن الماضي تنظيم مدارسها على النحو الذي نراها عليه اليوم وأصبحت يدخلها الطالب فيتعلم في بضع سنين لغو أو لغتين أو ثلاثاً معها إلى ما يتحتم عليه معرفته من العلوم الطبيعية والرياضية والاجتماعية والأدبية والاقتصادية فيخرج الطالب بعد هذه الدروس النظامية الأولية ملماً بفروع كثيرة بل بأمهات العلوم وأصولها المقررة لإعداد العقول للتفكير والأنامل للكتابة والألسن للنطق والأجسام للحركة وهذه الدروس التي يسمونها دروس الموضوعات (الأنكلوبيذية) يمر فيها الطالب على كثير من المطالب تغنيه إذا أراد الاقتصار عليها والانصراف إلى أكثر الأعمال التجارية والصناعية والزراعية والعلمية. وإذا سمحت به همته إلى الإخصاء في علم واحد من العلوم التي ذاقها في الجملة يتمحض لها ويدخل مدارسها الخاصة كمدارس الزراعة والتجارة والمعادن والميكانيكيات والأدب والطب والهندسة والقضاء والجندية واللغات والفلسفة واللاهوت والاجتماع وعن ذلك من أصناف العلوم التي جعل لكل فرع منها مدرسة خاصة أوصف خاص يدرس فيها من تصح عزيمته على الامتياز في فروعها ليكون فيها مرجعاً ويبرز على أقرانه فينفع وينتفع.

ولولا إصلاح طريقة التعليم والإلقاء لم يتيسر للشاب أن يدرس في سنين قليلة مثل هذه الدروس الكلية ولكن أصول الكتب التي أُلفت بحسب سني الطلب وسن الطالب وطريقة الإلقاء الشفهي والإملاء الكتابي هي التي تفتح ذهن الطالب وتحبب إليه الدرس والبحث منذ الصغر فلا يتناول من العلم إلا بقدر معلوم ولكنه يتناول اللباب ويطرح القشور ويقرأ المختصرات إبان دراسته كليات العلوم فإذا شب يتناول المطولات فتكون منه على طرف الثمام.

فيمثل هذا التنظيم في التعليم ثم الإخصاء في فرع أو فرع نبغ في الغرب رجال في علوم البشر لأشبه بينهم وبين رجالنا في سعة المدارك وبعد الهمم والعلم الواسع وبتربية بنيه على هذا الأسلوب نبغ في القرون الأخيرة فرادليس في رجالنا من يضاهيهم أو يبلغ علمه ربع علومهم أمثال ديكارت وكونت وكانت وياكون سبينوزا ويبنترلا وأمرسون ونيوتن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015