من التربية الحسنة هو محدود بالطبيعة. فالطفل يولد على شيءٍ من الذكاء قلَّ أو كثر بمعنى أنه يكون ذا مزاج معتاد في رقيه فترتفع منزلته إلى قياس عقلي معتدل ومهما بولغ في تلقينه فلا يتيسر أن يتجاوز به هذا القياس. ولقد رأينا كثيراً من الفتيان والفتيات لم يربوا التربية الكافية فوقفوا في درجات عقلية يتأتى له تجاوزها وكان لهم استعداد طبيعي لم يحسن القائمون على تربيتهم استخدامه فأست تربيتهم مقيدة بقيود تزيدهم بلاهة بدلاً من أن تزيدهم ذكاءً. فالذكاء كالصحة والقوة الطبيعية في الإنسان لا يكون من الإكثار من أسبابه سوى إهلاكها لا نماؤها والأخذ بيد كل إنسان إلى حيث تصل قواه هو الحسن والإحسان بعينه وأن ما نقصد إليه في هذا المبحث الاقتصار إلى التربية الضرورية حتى يرتقي العقل الحر ممتعاً بما فيه من كفاءة أوثية. نعم إن العقول مختلفة في مداركها فالكسلان الغليظ الذهن يظل أبداً كذلك والذكي بالفطرة يزداد ذكاؤه مضاءً بالعمل والتدريب والمتوسط متوسط والمستعد إلى التقدم تزيد قواه العقلية نشاطاً والتربية لا تزيل الفروق الإرثية بل تزيدها فالنفوس المستعدة تستفيد أكثر من غيرها من أسباب الترقي وتتقدم تقدماً محسوساً. والتمرين الشديد الذي تتطلبه التربية العقلية العالية لا يتأتى قبوله إلا لمن كانت عقولهم عاملة بطبيعتها أما غيرهم فلا استعداد لهم إليها. لئن كان تعديل أساليبنا في التعليم على النحو الذي أوردناه نافعاً للجميع فهو نافع خاصة لبعض الناس وذلك لأنه يزيد تنشيط بعض الأذكياء المستعدين للنبوغ ولا ينبغي أن نستاء من هذه النتيجة ونقلق منها فإن ذكاء الطبقة المختارة من الخاصة هو مولد النجاح الذي يستفيد منه المجموع (انتهى معرباً عن مبحث طويل في مجلة التربية الباريزية).
سكة الحجاز
قالت مجلة الطبيعة الفرنسوية: كان الحجاج يسلكون إلى مكة طريق القوافل من جهات الساحل أو الداخلية ويجيء الفرس والهنود من الشرق ناعجين أيضاً طريق القوافل باجتياز صحارى بلاد العرب ويسير غيرهم وعددهم ليس بقليل عن طريق جدة عَلَى البحر الأحمر عَلَى مسافة 75 كيلومتراً من مكة ويسير حجاج افريقية من طريق البر مجتازين شبه جزيرة سينا في حين أن غيرهم يأتون من البحر إلى جدة. ولهذا كان هذا الثغر من البلاد المهمة للغاية يجتمع فيه كل سنة عدد عظيم من الحجاج قادمين من مصر وافريقية الشمالية