وضعها وهي تساوي بأسلوبها وتعليمها أقل مما تساوي بدلالتها على الحركة العقلية في مدنية كانت الحاكمة المتحكمة على العالم زمناً ونعني بها مدنية الإسلام. ومكانة هذه الكتب لا تسقط أبد الدهر حتى ولو أدى الارتقاء العلمي الإسلامي إلى طرحها والاستعاضة عنها بمصنفات تؤلف على غير نسقها وعلى أسلوب يغاير أسلوبها ولا سيما متى انصرفت النفوس عن دراسة علوم اللسان والفقه إلى علوم يكون نفعها عملياً ظاهراً.
لا جرم أن علوم المسلمين ودرسها تشبه ما كان لنا منها في عهد الحكومات البائدة وأن من عانوها وأتقنوها إذا تعلموا جميع دقائق النحو العربي وتبحروا في فقه السنة والشيعة لا يتأتى لهم بذلك أن يقفوا على مطالب الحياة الاجتماعية والعالم الخارجي.
وبعد فإن كتب النحو العربي التي هي مصنفات تامة في بابها يجب الرجوع إليها إذا أريد التعمق في هذه العلوم وفهم فكر العربي وهي تشبه كتبنا التي كانت مستعملة في المدارس قبل إصلاح بور رويال. وربما زهد المسلمون في الاعتماد على الطريقة القديمة والكتب القديمة في هذه الفنون لأن بعضهم يرى أن الألفية والأجرومية قبلاً تستدعي انتباه ذهن الطلبة وذاكرة فائقة لاختيار طريقة تشبه طريقة الكتب التي نعول عليها في دراسة اللاتينية وغيرها من اللغات وربما لا يمضي وقت طويل إلا وتتحسن طريقة دراسة الآداب العربية كما تحسنت عندنا في الغرب. على أنه لا يبعد أن تقل الرغبة في هذه الدروس اللسانية كان درس الفقهية التي كانت الدروس المعول عليها فقط في العهد الماضي ولاسيما في البلاد العثمانية والفارسية ويعتبر القوم علوم الدين واللغة التي كانت موضوع اهتمام المتفقهة والمتصوفة من علوم الرجعة لأن القائمين عليها أناس كانوا في الجملة مراعاة لمصالحهم أصدق أنصار عروش السلاطين الذين يدعون الخلافة عن الله في الأرض.
وكيفما كان الحال فإنه لا يتأتى الوقوف على الفكر الإسلامي في كتب ألفت على النسق الأوربي وسارت في أسلوبها على نسق الخطط الغربية كما أنك لا تسقط على الفكر الياباني قديماً من مراجعة الترجمات الإنكليزية والفرنسوية التي تعين رعايا ميكادو واليابان من اجتياز أبواب المدراس الحربية في مملكة الشمس المشرقة.
ولا يتيسر درس الحضارة الإسلامية القديمة بغير الرجوع إلى هذه الكتب في الفقه معاملاته وعباداته والنحو ومتعلقاته. تلك الكتبالتي يهملها علماء المشرقيات لأنها على غير أسلوبهم