مجله المقتبس (صفحة 2417)

على الأذى حتى إذا فقد بعولتهن ثرواتهن وسيقوا إلى السّجون والمطابق يعطفن عليهم ويأخذن في الإنفاق عليهم من كدهنّ وعملهن.

ورأيت امرأة أخرى كانت شرسة الطباع تناكد زوجها وتسيء عشرته فلما أضاع ماله راحت وهي في سن الأربعين تراجع دروسها التي تعلمتها وتقدمت لنيل شهادة التعليم وأخذت منذ ذاك الحين تصرف على زوجها وأولادها من كسبها القليل وتعمل أعمال المطبخ والبيت بيدها وتشتغل من الصبح إلى المساء وكانت من قبل لم تتنزل لتبل يدها بالماء ولا لترفع ثيابها بنفسها أما زوجها فبقي سنين يعيش من كدح زوجته يلعن الزمان ويدخن الدخان ولا يفارق داره إلا للنزهة.

ورأيت امرأة أخرى كان زوجها أحد رجال الإدارة وكانت مرفهة تعيش عيش الأميرات فأصيب زوجها بالروماتيزم فأخذت تمرضه وتعنى به بنفسها ثماني عشرة سنة ليل نهار حتى أنها لم تنزع عنها لباسها خلال العشر سنين الأخيرة لتكون على مقربة من سرير زوجها وتقوم بخدمته حق القيام بل إنها قضت بعض السنين الأخيرة ولم تخرج إلى الشوارع حتى صار منظر المركبات والقطارات في عينها غريباً. كلمتها ذات يوم وأنا أعجب بها فقالت لي أنها لم تسأم قط لأنها أدركت أنها تقوم بواجب وكانت كل ساعة من ساعاتها ولها ما يشغلها فيها وأنها لم تمرض منذ أخذت في تمريض زوجها وكانت تغتبط عندما ترى زوجها يشكر لها بعينيه عنايتها به قالت وكنت سعيدة أن أتوفر على إطالة حياته فلما قضى نحبه لم يبق لي مطمع في الحياة وأسفت عليه كثيراً وإن أدركت أن آلامه انتهت بالموت.

وغريب أمر النساء في مفاداتهن بكل عزيز عليهن في سبيل ما يوطدن النفس على القيام به فإذا انصرفت أذهانهن إلى عمل من مثل ما تقدم يزهدن في الملاذ والبنين والبنات وينسين أن جمالهن ظل زائل وأنهن يضعن حياتهن بمفاداتهن ولكن ما يلذهن هو أن يغنين فيما صرفن وكدهن له وليس الرجال كذلك ولعلهم يؤثرون الانصراف إلى عمل عام أكثر من الميل إلى عمل خاص.

أعرف أسرة غنية كان لها ابن كف بصره فأرادت أن تصحبه برفيق فاختارت له ابن بستانيها وجعلته له ترباً يغدوان ويروحان معاً فدرسا الحقوق معاً وصرفا على هذه الحال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015