الحيوان ولذلك كان كحاطب ليل جمع بين النافع والضار وما كان أحراه لو كان من أهل التحقيق أن يجرب بنفسه خواص الحيوانات التي ذكرها فقد كان يتيسر له هذا وإن لم يكن ذا إلمام بهذا الفن فيخفف من عناء قراء كتابه ويضمنه فوائد حسنة نافعة على أن كتابه على ما فيه قد وقع في أيدي فئة من المطالعين فاستفادوا منه واشتهر بينهم.
قال وليس من الصواب الأخذ على المقري صاحب نفح الطيب لأنه لم يذكر في كتابه تاريخ الأندلس وما توالى عليها ولو أنعم الناقد نظره في مقدمة الكتاب بل في اسمه وأكثر أسماء الكتب تدل على مسمياتها لما حكم هذا الحكم وما كان نفح الطيب إلا كتاب أدب خص فيه بالذكر الوزير لسان الدين بن الخطيب وأورد بحسب ما اقترح عليه بعض أهل الأدب في الشام طرفاً صالحاً من نثره ونظمه واستطرد إلى ذكر بعض رجال الأندلس إلى عهده وجملة من أخبارها بالعرض.
ثم قال وكذلك الحال في قلائد العقيان للفتح بن خاقان فإنه كتاب توخى فيه مصنفه إظهار الصناعة اللفظية وأن المترجمين هم من أهل حرفته فاقتصر من ترجمتهم على إيراد طرف من منثورهم ومنظومهم وليس كتابه كالذخيرة لابن بسام فإن هذا ترجم حقائقهم وقصد بذخيرته أن تكون نافعة في الوقوف على أحوال الأندلسيين وتصوير صفاتهم فإن تأفف بعض من تصفحوا قلائد العقيان وعابوا عليه خلوه من تاريخ مواليد المترجم بهم ووفياتهم فإن من الناس من لا يرتضون من مثل هذه الكتب إلا بهذه الطريقة الأدبية. ولكل فئة من المطالعين طائفة من الكتب تروقها ويستهجنها غيرها.
هذا مثال في النقد السليم وقد كتب في القديم محمد بن ساعد الأنصاري كتاباً في أنواع العلوم وذكر النافع من كتبها كما كتب عبد اللطيف البغدادي مقالة في إحصاء مقاصد واضعي الكتب في كتبهم وما يتبع ذلك من المنافع والمضار وكتب الفارابي في إحصاء العلوم والتعريف بأغراضها واليوم علينا أن نتدارس ما انتهى إلينا من علم أسلافنا الأقدمين ونضيف إليه ما وصل إليه العلم عند أهله من المتأخرين ونتعلم عن الغربيين صحة النقد والحكم كما نأخذ عنهم العلم والفهم فليس العيب في الحركة وإنما العيب في الجمود والله يسددنا حتى لا ننطق عن هوى.