ومن كلام عبد اللطيف البغدادي: اجعل كلامك في الغالب بصفات أن يكون وجيزاً فصيحاً في معنى مهم أو مستحسن فيه الغاز ما وإيهام كثير أو قليل ولا تجعله مهملاً ككلام الجمهور بل رفعه عنهم ولا تباعده عليهم جداً. وقال وإياك والهذر والكلام فيما لا يعني وإياك والسكوت في محل الحاجة ورجوع النوبة إليك إما لاستخراج حق أو اجتلاب مودة أو تنبيه على فضيلة وإياك والضحك مع كلامك وكثرة الكلام وتبتير الكلام بل اجعل كلامك سرداً بسكون بحيث يستشعر منك أن وراءه أكثر منه وأنه عن خميرة سابقة ونظر متقدم.
وقال: وإياك والغلظة في الخطاب والجفاء في المناظرة فإن ذلك يذهب ببهجة الكلام ويسقط فائدته ويجلب الضغائن ويمحق المودات ويصير القائل مستثقلاً سكوته أشهى من السامع من كلامه ويثير النفوس إلى معاندته ويبسط الألسن بمخاشنته وإذهاب حرمته وقال لا تترع بحيث تستثقل ولا تتنازل بحي وتستحقر.
ومن كلام رشيد الدين بن خليفة: احترم المشايخ ولو سكتوا عن جواب سؤالك فلعل ذلك لبعد العهد وكلال القوى أو لأنك سألت عما لا يعنيك أو معرفتهم بعجز فهمك عن الجواب أو إن فوائدك أكثر من ذلك. وقال: اشتغل بكلام المشهورين الجامعة أولاً فإذا حصلت الصناعة فاشتغل في الكتب الجزئية من كلام كل قائل.
وقال: خذ كلام كل قائل عارياً عن محبة أو بغضة ثم زنه بالقياس وامتحنه إن أمكن بالتجربة وحينئذ اقبل الصحيح وإذا أشكل فأشرك غيرك فيه فإن لكل ذهن خاصية بمعان دون معان.
قال: الأمراض لها أعمار والعلاج يحتاج لمساعدة الأقدار وأكثر صناعة الطب حدس وتخمين وقلما يقع فيه اليقين وجزآها القياس والتجربة لا السفسطة محب الغلبة ونتيجتها حفظ الصحة إذا كانت موجودة وردها إذا كانت مفقودة وفيهما يتبين سلامة الفطر ودقة الفكر ويتميز الفضل من الجاهل والمجد في الطلب عن المتكاسل والعمال بمقتضى القياس والتجربة عن المحتال على اقتناء المال وعلو المراتب. وقال ما أكثر الملتذين بالآمال من غير الشروع في بلوغها.
وقال: الآمال أحلام اليقظان وكنب بعضهم إلى شيخه يشكو إليه تعذر أموره فكتب إليه أنك لن تنجو مما تكره حتى تصبر عن كثير مما تحب ولن تنال ما تحب حتى تصبر على كثير