جميع الأسرات الغنية في إيطاليا والولايات (حتى لم يبق في أواخر القرن الثالث أسر من الفرسان العاديين) وكان كل عظيم من كبراء هؤلاء الملاك يعيش بين عبيده ملكاً صغيراً لا عمل له إلا إتباع الشهوات وداره في رومية أشبه بقصر تغص غرفة التشريفات (لاتريوم) كل صباح بأناس من الزبن (الزبونات) وهم أناس من الوطنيين يختلفون إليه لأمور طفيفة صباح كل يوم يسلمون عليه بالسيادة ويسايرون موكبه في الشارع. لأن الاصطلاح يطلب أن لا يظهر الغني أبداً أمام الجمهور إلا ويحيط به جماعة. وقد ضحك هوراس من أحد القضاة لمروره بشوارع تيبور في خمسة من العبيد فقط. وللكبراء خارج رومية مصايف بهجة على شواطئ البحر أو في الجبال ينتقلون فيها لا عمل لهم والضجر آخذ منهم.
ولم تكن واجهات لبيوت هؤلاء الأغنياء من الرومانيين على العكس من بيوتنا الحديثة بل كانت كلها دائرة من داخل أما الخارج فلم تكن سوى حيطان عارية لا شيء فيها والغرف صغيرة وفرشها قليل وهي مظلمة لا يدخلها الضوء إلا في قاعة التشريفات وهي في وسط البيت وفيها نصب تماثيل الأجداد وفيها يستقبل الزوار ويدخل إليها النور من شق في السقف ووراءها البيريستيد وهي حديقة محاطة بصفوف من العمد وعليها تطل غرف الطعام المزينة أفخر زينة وفيها سرر لجلوس الضيوف ويتناولون فيها الطعام لأن ذلك كان من عادة أغنياء الرومان كما كان من عادة اليونان في آسيا. وكثيراً ما يكون بلاد الدار معمولاً بالفسيفساء.
الأخلاق: وصف سينيك في رسائله وجوفنال في أهاجيه الرجال والنساء في عهدهما وصفاً مزعجاً حتى أصبح فساد رومية القياصرة مثلاً سائراً في الغابرين. على أن هذا ناشئ من دواء اضطرابات القرون الأخيرة للجمهورية مثل بذخ الأغنياء الغليظ وقسوة السادة مع عبيدهم وطيش النساء الممزوج بجنون. فلم يأت الشر من طريقة الحكم الإمبراطورية بل من الإفراط في جمع ثروات العالم أجمع بيد بضعة ألوف من الأشراف أو أدعياء الشرف وتحتهم بضع مئات من الأحرار يعيشون عيشاً سافلاً وملايين من العبيد يظلمون ظلماً هائلاً.
وكانت الأسرة الكبرى تندثر بسرعة حتى هال الإمبراطور أغسطس ما رأى من نقص عدد الرجال الأحرار فسن قوانين لحمل الناس على الزواج والعقاب على العزوبة وإذ كان تأثير