العدل ومحبتهم له بما يتألفهم بكريم خلقه وصادق المحبة هو الذي يعينه على العدل وحسن التدبير بمحض النصيحة.
إن في الرعية وحملة السلاح من الأهواء الغالبة والفجور ما لا بد للملك معه من أن يقرن بباب الرأفة باب الغلظة وباب الأنعام بباب الانتقام فإن القصاص من المفسدين حياة لبقية الأمة. ومن لم يقم حدود الله تعالى في من له فيه هوى لم تثبت هيبته في قلوب الخاصة والعامة ولن يستطيع الملك أن يقوّم العامة حتى يقوّم الخاصة.
وإن من كان من الملوك قبلنا قد رتبوا الناس أربع طبقات فالأمراء والجند صنف والعباد والفقهاء صنف والكتاب ولحكماء صنف والتجار والفلاحون صنف فلم يمكنوا صنفاً منها أن يدخل في الصنف الآخر لتتفرغ كل طبقة للقيام بما يلزمها.
وليس أضر على الملك من رأس صار ذنباً أو يد مشغولة وجدت فراغاً من شغلها.
وخير الملوك من بعث العيون على نفسه ليعلم عيوبها فيكون أعلم بعيون نفسه من غيره ثم يجتهد في مداواة عيب بعد عيب حتى لا يجد أحداً فيه مطعناً فهذا الذي تمت سيادته.
وإن ابتهاج الملك المسدَّد الرأي القاهر لهواه بوفور عقله وشرف نفسه بارتفاعها من النقائص أعظم من سروره بملكه.
ومن الرعية من يقارب الملك في مأكله وملبسه وشهوته وليس فيهم من يقدر كقدرته على اجتناء المحامد وإصلاح الرعية بالعدل عليها وتأمين السيل وصيانة الحريم وكف أيدي الظالمين فاجتهدوا معشر الملوك في بسط العدل الذي لا تقدر عليه الرعية وتنافسوا في اقتناء الذكر الجميل.
وليس للملك أن يبخل فإنه لا يخاف الفقر وإذا عرف بالبخل انقطع الرجاء من خيره فانسلت الأيدي من طاعته ولا يجتهد أحد في خدمته وانحلت النيات عن مناصحته.
ولا ينبغي له أن يغضب لأن الغضب مع القدرة يوجب السرف في العقوبة ثم يعقب الندامة مع ما فيه من الطيش والخفة وقبح السمعة.
ولا ينبغي له أن يلعب لأن اللعب والعبث من أعمال الفراغ والفراغ من عمل السوقة وفي ذلك من ذهاب الوقار وإسقاط الهيبة ما ينافي جلال السيادة.
وليس له أن يحسد إلا ملوك الأمم على حسن التدبير وإصابة السياسة ومكارم الأخلاق ولا