على هذه الصورة الشريفة إلى هذا الحد حتى لا يتعاطى الطب من ليس من أهله ولا يتهاون الطبيب في شيء منه. وينبغي للمحتسب أن يأخذ عليهم عهد أبقراط الذي أخذه على سائر الأطباء ويحلفهم أن لا يعطوا أحداً دواءاً مضراً ولا يركبوا له سماً ولا يصفوا السموم عند أحد من العامة ولا يذكروا للنساء الدواء الذي يسقط الأجنة ولا للرجال الذي يقطع النسل وليغضوا أبصارهم عن المحارم عند دخولهم على المرضى ولا يفشوا الأسرار ولا يهتكوا الأستار ولا يتعرضوا لما ينكر عليهم فيه.
فصل وأما الكحالون فيمتحنهم المحتسب بكتاب حنين أعني العشر مقالات في العين فمن وجده قيماً فيما امتحنه به عارفاً بتشريح طبقات العين وعدد السبعة وعدد رطوباتها الثلاثة وما يتفرع من ذلك من الأمراض وكان خبيراً بتركيب الأكحال وأمزجة العقاقير أذن له المحتسب بالتصدي لمداواة أعين الناس ولا يفرط في شيء من لات صنعته مثل صنانير النشل والظفر ومباضع الفصد ودرج المكاحل وغير ذلك وأما كحالو الطرقات فلا يوثق بأكثرهم إذ لا دين لهم يصدهم عن التهجم على أعين الناس بالقطع والكحل بغير علم ومخبرة بالأمراض والعلل الحادثة ولا ينبغي لأحد أن يركن إليهم في معالجة عينه ولا يثق بأكحالهم وأشيافهم فإن منهم من يضع أشيافاً أصلها النشا والصمغ ويصبغها ألواناً مختلفة فيصبغ أحمر بالسيلقون والأخضر بالكركم والنيل والأسود بالقافيا والأصفر بالزعفران ومنهم من يجعل أشيافاً من مائها ويعجنه بالصمغ ومنهم من يعمل كحلاً من نوى الإهليلج المحرق والفلفل وجميع غشوش أكحالهم لا يمكن حصرها فيحلفهم المحتسب على ذلك إذ لا يمكنه منعهم من الجلوس.
فصل وأما المجبرون فلا يحل لأحد أن يتصدى للجبر إلا بعد أن يعرف المقالة السادسة من كتاب قوانين الجبر وأن يعلم عدد عظام الآدمي وهي مائتا عظم وثمانية عظام وصورة كل عظم منها وشكله وقدره حتى إذا انكسر منها شيء أو انخلع رده إلى موضعه على الهيئة التي كان عليها فيمتحنهم المحتسب على ذلك.
فصل وأما الجرايحيون فيجب عليهم معرفة كتاب جالينوس المعروف بفاطاجالس في الجراحات والمراهم وأن يعرفوا التشريح وأعضاء الإنسان وما فيه من العضل والعروق والشرايين والأعصاب ليتجنب بذلك في وقت فتح المواد وقطع البواسير ويكون معه دست