أقصى تخوم العالم المتمدن يشبه مصوراً خارطة قد رسمت بداءة بدء وعول فيها بعد على إدخالها إلى حيز العمل.
فالمترجم نظر إلى تاريخ رومية من نقطة سياسية تماماً ويشاهد ما بذله من العناية في جماع مظاهر الحياة اليومية للنظرة الأولى. وفصول كتابه في الزراعة والتجارة والصناعة والآداب أجمع ما كتب في مصل هاته الموضوعات حتى الآن. ومما كان يرتئيه أن السياسة هي أهم واسطة لبيان أحوال حياة الأمم وهي التي تحدث تجديداً وانقلاباً في جميع الشؤون.
لتتبع التاريخ السياسي وتدقيقه خطتان الأولى: خطة توكفيل الفلسفية وهي عبارة عن اتخاذ أوضاع الأمة وقوانينها المادية والفكرية أساساً والعمل على كشف أسرار تولدها ونتائجها أكثر من النظر في حوادثها وكائناتها ويصح أن يقال أن هذه الخطة علمية لأن الكاتب لا يظهر نفوره أو ارتياحه لحالة سياسية معينة. ومن ثم كان ذلك المؤلف غيرياً لا أنانياً. والثانية تعليل الحوادث التاريخية ببعض أفكار تنطبق على آراء سياسية واجتماعية أو دينية وبها يختلف التاريخ حسب المنظر ووجهته.
ولقد وقى مؤرخو الألمان أنفسهم في الربع الأول من القرن التاسع عشر من هذا الأسلوب التاريخي الذي اتخذه كتاب الإنكليز والفرنسيس مثالاً يحتذونه. وهذا نيبور ورانك المؤرخان الألمانيان يصفان الوقائع التاريخية ويصورانها دون أن تشتم من تضاعيف سطورهما رائحة تحزب أو تعصب بتاتاً.
وفي عام 1850 نشأ صنف من المؤرخين على غير تلك الطريقة والسبب في ذلك اجتماع طائفة من الأساتذة الأفاضل في مؤتمر فرانكفورت واشتغالهم بالسياسة بعض الاشتغال حتى إذا ما نقلوا مشاغلهم الخارجية إلى أرائك تدريسهم أخذوا يضعون موضع المذاكرة والبحث هاته الأحوال السياسية الحاضرة التي أورثت المسائل السياسية الغابرة تلك أطماع وذلك هو نتيجة الثورة السياسية سنة 1848.
هذا هو مومسن قد حاز الأولية بين فريق هؤلاء المؤرخين هذا الرجل الذي كان يتخيل حينما يكتب تاريخه أن تعليلاته تنطبق على التجارب الماضية على حين أن القسم الأعظم منها كان ناشئاً في الغالب من شعوره الذاتي وتابعاً لأحوال محيطه وقوته المخيلة.