ملخصة عن إحدى المجلات الأوربية
ما برحت الأفكار حيرى في تكييف حالة الولايات المتحدة الأميركية وارتقائها في سلم الحضارة والعمران فقد مضت القرون ومواد ثروتها لا تنضب وأسباب عمرانها متوفرة وانقضت الأجيال والناس ينسلون إليها من كل حدب. ومع ما فيها من الاختلاط والحركة لا يزال أهلها عجائب في أطوارهم كما أن بلادهم أم العجائب. بلاد حوت الأضداد في الأجناس والأديان فمن ألمان إلى هولنديين إلى أيرلنديين إلى بافاريين ومن كالفانيين إلى كواكوز إلى برسبتاريين إلى بوريتانيين من شيع البروتستانت. ومنهم يتألف على اختلاف الأجناس اللاتينية والسكسونية والإنكليز السكسونية هذا الشعب العجيب المتناسل في تلك الأصقاع بين هاتيك الآجام والغابات الكبيرة والمروج الواسعة.
وأهل هذه البلاد من سكان العالم القديم نثروا في عالمهم الجديد جراثيم الترقي وأتوا تلك الديار كما قال كارلايل المؤرخ الإنكليزي حاملين على قواربهم الثخينة من الرجال أمثال شكسبير وكرومفل ممن كانوا أبطال إنكلترا الجديدة والغوغاء الوضيع في أسبابه الرفيع بآدابه. ومن أعظم ما امتاز به هذا المزيج من الناس فكر الإبداع ولم يعق تلك الأمة ما عرفت به هي وأصولها من حب التقليد. ففي أميركا الشمالية كل شيء ونقيضه. ففيها التمدن والتوحش. وفيها حب الفتح والتبسط في مناحي السلطة والدعوة إلى السلام والاحتفاظ به. وفيها الشجاعة المفرطة والاحتيال مع الحذر. وفيها الإعجاب بالعظمة والتمدح. والميل إلى العمل والعزوف عن السفاسف. وفيها التعبد بالتوراة وحرية الفكر. وترى فيها بجانب الأهوال والفظائع من صلب وضرب بالسياط جمعيات اعتدال عجيبة وأوضاعاً بديعة لتعليم العامة. وفي جانب المضنيات الاقتصادية الهائلة عطايا تمنح لمساكين الفقراء حوت في مطاويها الأبهة والتمجد. بل ترى فوق ما هناك من أعمال قاسية جافية إجراء يلتمسون من مواليهم زيادة أجورهم وأولاد أغنياء يملك آباؤهم الملايين والمليارات واللكوك والربوات ثم يروحون ويغدون في بيع الجرائد وينادون عليها بأعلى أصواتهم في الشوارع ويمتهنون أنفسهم بإصلاح الأمواق (بوياجية جزم) وبينا ترى فيها التشديد للمحافظة على الأيام المخصصة رسمياً لتمجيد المولى تعالى وتقديسه على نعمائه