مجله المقتبس (صفحة 1845)

العلم والأدب في كل عصر ومصر وذلك لأن الاستشهاد بكلام الرجل بعينه يصوره كما هو وله وقع في النفس أكثر من إحالة المطالع على الرجوع إلى ما كتبه المؤلف كما قال سانت بوف العالم. وقال شاتوبريان الفرنسوي الكاتب: لا يجب الاعتقاد بأن معرفة إيراد الشواهد هو مما يسع كل أحد من أرباب العقول الضعيفة أن يفعله ممن فرغ وطابهم من كل علم فيستقون من موارد غيرهم ما راقهم وما الاستشهاد حيث يجب غلا دليل العلم. فالذاكرة التي تدخر الشواهد لحين الحاجة هي في الحقيقة قرينة الذكاء بل هي أم الذكاء وجودة الذهن. وقد غذى كبار كتاب عصر لويس الرابع عشر عقولهم بالشواهد وكان شيشرون الخطيب الروماني الذي لم تكن له إلا لهجة واحدة يلهج بها ويتوفر عليها يكثر من الاستشهاد وأنا أيضاً (شاتوبريان) لا أقصر في هذا السبيل.

ولذا سار مؤلفنا في مصنفه الاجليل على هذه الطريقة شأن معظم الكتاب الذين لا يكتبون إلا بتصحيح وإيراد الشواهد والشوارد فيقرأ القارئ فيه من أسماء الكتب المؤلفة بالإفرنجية في هذا المبحث ما يدل على أن الغربيين اليوم سابقون في كل محمدة ويسجل بما بذله بنفسه من الدرس والبحث حتى جاء كتابه آخذاً من كل شجرة ثمرة ومن كل حديقة زهرة.

قال في تاريخ الكتب أنه لم يعرف في الحقيقة إلا منذ ثلاثة آلاف سنة وإن قال أحد علماء الألمان بوجود الكتب قبل الطوفان ووضع لذلك مصنفاً فتاريخ الكتب يرد إلى عهد ملك مصر أوسيماندياس الذي يرى علماء الآثار المصرية اليوم أنه هو رعمسيس الثاني أو سزسترويس وكان له خزانة كتب جعلها في قصره في ثيبة كما قال المؤرخ ديودور الصقلي وقد حكم هذا بوجودها من أثر كان مزبوراً على الحجر في أعلى باب هذه المكتبة وهو قوله: هنا أدوية النفس. فوصف بذلك الكتب أجمل وصف وأوجزه عرف ولا يتأتى أن يقال أحسن منه. ومضت على هذا الوصف الأزمان حتى جاء الفيلسوف مونتسكيو في القرن الثامن عشر فقال: ما قط حزنت إلا وتبدد حزني بساعة من المطالعة أروّح بها عن نفسي ثم جاء بعده القصصي الإنكليزي بولور ليتون في القرن التاسع عشر ووصف مطالعة بعض المصنفات لشفاء بعض الأمراض فرأى المداواة بالكتب كأنها بعض العقاقير والعناصر. وكل من قال كلمة في هذا الباب لم يخرج في وصفه للأسفار عن حد الحكمة التي علقها ملك مصر على مكتبته أو شرحها أو المبالغة فيها. وأسس الظالم بيزايسترات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015