إذا بلغت الحضارة أوجها في أمة يتفنن أهل العلم في التأليف المفيد فيضعون المصنفات في الموضوعات التي لا تخطر على بال أحد في مجتمع غير راق ومن كان يظن أن أبا عمرو بن عمر الجاحظ البصري يؤلف كتاباً في مدح الكتب والحث على جمعها عدا ما وقع له من ذكرها مرات في كتبه قبل زهاء ألف سنة ولكن ما كتبه الجاحظ في تلك الأزمان يكتبه مؤلف هذه الأيام ببيان أشفى ومادة أوسع لارتقاء هذه العصور باختراع الطباعة التي عمت بها المطبوعات وسهل بها التأليف والنشر ولاسيما على من كان مثل مؤلف الكتاب الذي صدر هذا الشهر في خمس مجلدات للمسيو البرسيم قيم مكتبة نظارة البريد والبرق في باريز.
قسم كتابه إلى أقسام فتكلم على حب الكتب والمطالعة والكتب في الأزمان السالفة والقرون الوسطى منذ اختراع الطباعة إلى عصرنا هذا وتمييز بعض المؤلفين على بعض وما يجب أنيطالع من الكتب وكيف يجب أن يطالع أو يتصفح وتؤخذ مفكرات بالخط على بعض الكتب وهل ينبغي الاستكثار من الكتب أو افقلال منها وكيف نختار الكتب وهل يجب الإكثار من المطالعة أو الإكثار من إعادة المطالعة. وتكلم على الكتب المزينة والكتب البسيطة والقديمة والحديثة والاستشفاء بالكتب وتاريخ الكتب وذكر الروايات والصحف وتكلم على المجانين بالكتب والهائمين بالكتب وممزقي الكتب وأعداء الكتب وعدّ النساء من أعداء الكتب وأطال في إعارة الكتب وفي ورقها وقطعها وطبعها وتصويرها وتجليدها وابتياعها وترتيبها في قماطرها والعناية بفهرستها وتنسيقها وكيفية استعمالها وحفظها وطبعها واختصارها.
هذه أهم ما تدور عليه أبحاث هذه المجلدات الخمسة الممتعة ويرى مؤلفها أن لا يقتصر في الكتاب على إلباسه لباس الظرف وحفظه في الزجاج والنظر إليه بإعجاب وانعطاف بل أنه خلق ليقرأ أو يتدبر ما فيه ويتلذ1 به قال: فأنما أتخذه بمثابة أداة للدرس والتسلية والتعزية وقرة العين بل هو واسطة للكمال العقلي والأدبي فأنا من ثم لا أفصل بين محبة الكتب ومحبة الآداب بحال وإن شئت فقل بين محبة الجمال والخير والعدل والحق فبين هذه الأمور تشابه.
وقد اعتذر المؤلف عن أن معظم كتابه ليس من قلمه بل هو عبارة عن استشهاد بأقوال أئمة