وكثير عزّة يوم بين ينسب ... وابن المقفع في اليتيمة يسهب
وقال جلال الدين في المزهر نقلاً عن أبي الطيب عبد الواحد اللغوي في مراتب النحويين قال محمد بن سلام: سمعت مشايخنا يقولون لم يكن للعرب بعد الصحابة أذكى من الخليل بن أحمد ولا أجمع ولا كان في العجم أذكى من ابن المقفع ولا أجمع.
وقال المعري في عبث الوليد: كان المتقدمون من أهل العلم ينكرون إدخال الألف واللام على كل وبعض وروى الأصمعي أنه قال كلاماً معناه قرأت آداب ابن المقفع فلم أر فيها لحناً غلا في موضع واحد وهو قوله: العلم أكبر من أن يحاط بكله فخذوا البعض.
وروي أن بعضهم ذكر ابن المقفع فقال: ألفاظه معان ومعانيه حكم فصل خطابه شفاء وخصل بيانه كفاء. وسمع أبو العيناء بعض كلام ابن المقفع فقال: كلامه صريح ولسانه فصيح وطبعه صحيح كأن بيانه لؤلؤ منثور وروض ممطور. وقال جعفر بن يحيى: عبد الحميد أصل وسهل بن هارون فرع وابن المقفع ثمر وأحمد بن يوسف زهر.
وعبد الحميد هذا هو الذي يضرب به المثل في البلاغة حتى قيل فتحت الرسائل بعبد الحميد وختمت بابن العميد. وكان أحمد بن يوسف يقول في رسائل عبد الحميد الفاظ محككة وتجارب محنكة. قال صاحب الوفيات وكان في الكتابة وفي كل فن من العلم والأدب إماماً وهو من أهل الشام وكان أولاً معلم صبية ينتقل في البلدان وعنه أخذ المترسلون ولطريقته لزموا ولآثاره اقتفوا وهو الذي سهل البلاغة في الترسل ومجموع رسائله مقدار ألف ورقة.
وقال ابن نباتة: أنه البالغ إلى أعلى المراتب في الكتابة البليغة يقال أنه كان في أول عمره معلم صبيان بالكوفة ثم اتصل بمروان الجعدي قبل أن يصل إلى الخلافة وصحبه وانقطع إليه فما جاء الأمر بالخلافة سجد مروان وسجد أصحابه غلا عبد الحميد فقال له مروان: لم لا سجدت فقال: ولمَ أسجد على إن كنت معنا فطرت عنا يعني بالخلافة فقال: إذاً تطير معي قال: الآن طاب السجود وسجد وكان كاتب مروان طول خلافته.
وهو أول من أخذ التحميدات من فصول الكتب واستعمل في بعض كتبه الإيجاز البليغ وفي بعضها الإسهاب المفرط على اقتضاه الحال. فمن افيجاز أن بعض عمال مروان أهدى إليه عبداً اسود فأمره بالإجابة ذاماً مختصراً فكتب: لو وجدت لوناً شراً من السواد وعدداً أقل