ما يكون في السكوت. ومنها ما يكون في الاستماع. ومنها ما يكون في الإشارة. ومنها ما يكون في الحديث. ومنها ما يكون في الاحتجاج. ومنها ما يكون جواباً ومنها ما يكون ابتداءً. ومنها ما يكون شعراً ومنها ما يكون سجعاً وخطباً ومنها ما يكون رسائل فعامة ما يكون في هذه الأبواب الوحي فيها والإشارة إلى المعنى والإيجاز هو البلاغة.
فأما الخطب بين السماطين وفي إصلاح ذات البين فالإكثار من غير خطل والإطالة من غير إملال. قال: وليكن في صدر كلامك دليل على حاجتك كا أن خير أبيات الشعر البيت الذي إذا سمعت صدره عرفت قافيته. كأنه يقول فرق بين صدر خطبة النكاح وبين صدر خطبة العيد وخطبة الصلح وخطبة المواكب حتى يكون لكل فن من ذلك صدر يدل على عجزه فإنه لا خير في كلام لا يدل على معناك ولا يشير إلى مغزاك. وإلى العمود الذي غليه قصدت والغرض الذي إليه نزعت.
قال فقيل له: فإن مل المستمع الإطالة التي ذكرت أنها حق ذلك الموقف قال: إذا أعطيت كل مقام حقه وقمت بالذي يجب من سياسة ذلك لامقام وأرضيت من يعرف حقوق الكلام فلا تهتم لما فاتك من رضا الحاسد والعدو فإنهما لا يرضيهما شيء وأما الجاهل فلست منه وليس منك ورضا جميع الناس شيء لا تناله وقد كان يقال رضاء الناس شيء لا ينال.
وقال عبد العظيم بن أبي الإصبع في تحرير التحبير في البديع في باب التهذيب والتأديب: قد كان المتقدمون لا يحفلون بالسجع جملة ولا يقصدونه بتة إلا ما أتت به الفصاحة في أثناء الكلام واتفق من غير قصد ولا اكتساب وإن كانت كلماتهم متوازنة وألفاظهم متناسبة ومعانيهم ناصعة وعباراتهم واثقة وفصولهم متقابلة وتلك طريقة الإمام علي عليه السلام ومن اقتفى أثره من فرسان الكلام كابن المقفع وسهل بن هرون وأبي عثمان الجاحظ وغير هؤلاء من الفصحاء والبلغاء.
وقال الأمين المحبي فيما يعول عليه في المضاف والمضاف إليه: يتيمة ابن المقفع ـ يضرب بها المثل لبلاغتها وبراعة منشئها وهي رسالة في نهاية الحسن تشتمل على محاسن من الأدب وقد ذكرها أبو تمام وأجراها مثلاً في قوله للحسن ابن وهب:
ولقد شهدت والكلام لآلئٌ ... تؤم فبكر في الكلام وثيب
فكأن قساً في عكاظ يخطب ... وكأن ليلى الأخيلية تندب