أعظم أنصار الدين فانظر إلى كتاب فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة الذي ألفه في الرد على أولئك الذين نسبوا إليه ما نسبوا فإن فيه الفناء وأغرب من ذلك القيام على أبي حاتم ابن حيان السبتي إمام المحدثين في عصره وصاحب الصحيح المشهور به والكتب الممتعة الكثيرة واستحصال الأمر بقتله لو لم ينج من ذلك بعوارض لا تخطر في البال.
ومعارضة القرآن أكثر ما تنسب للزنادقة المشهورين بالأدب والفضل يشيع ذلك أناس يقصدون إهلاك عدوهم بأي وسيلة كانت أو ناس هم أقرب إلى الزندقة ممن ينسبونهم إليها حتى أن أبا العلاء المعري على اضطراب الأقوال في نهاية أمره مع ما علم به من أحواله قد عزي إليه كتاب كان معروفاً في بلاد المغرب يسمى بالفصول والغايات ولا يتوقف من كان قريب العهد من عصره في أنه عمله في معارضة السور والآيات وكان كثير ممن يميلون إلى أبي العلاء المعري من أهل المغرب يعجبون مما وقع فيه من سخافة القول الذي ينحط عن جميع كلامه المعروف مع أنه ليس له يد في الكتابة كما علم من كتاب سر الفصاحة وكلامه في رسالة الغفران ينادي بخلاف ذلك.
وعلى الجملة فإن نسبة الزندقة إلى ابن المقفع لا تثبت بوجه من الوجوه التي تعقل في إثباتها وإذا نظرنا إلى ما يتعلق بالغيب فالحكم الشرعي أنه هو والناسبون إليه جميعاً في معرفة ما ينطوون عليه سواء لأنه لم يذهب أحد إلى أن الإيمان يتيسر إثباته بالبرهان إلا إذا ورد عن الشارع في شخص معين إثبات الإيمان أو لوازمه لرجل بعينه.
وتهمة الزندقة الشنعاء كثيراً ما يتهم بها المشتغلون بالفلسفة أمثال ابن رشد والفارابي وابن الصائغ وابن سينا ونسب هذا أنه عارض القرآن وقد كتب رسالة في رد افتراء من افترى عليه ذلك. ومن هنا تظهر لك حسن سياسة المأمون لأن فتح باب البحث عن الزنادقة وقد أوجب من المضار ما لا يحصى كما يعلم من التواريخ وربما كان عصر المأمون أقرب إلى قلة الزندقة في الحقيقة من العصور التي كثر اتهام معظم المفكرين بها وغيرهم ممن يراد الانتقام منهم.
عرفت بهذا أن كلام القائلين بزندقة ابن المقفع مع ما عرف من كلامه هو من ذاك الباب. قال المرتضى في أماليه روى ابن شبة قال: حدثني من سمع ابن المقفع وقد مر ببيت نار للمجوس بعد أن أسلم فلمحه وتمثل: