ثم إياك وأن يصل إليك أحد منن جندك وجلسائك وخاصتك وبطانتك بمسألة يكشفها لك أو حاجة يبدهك بطلبها حتى يرفعها قبل إلى كاتبك الذي أهدفته لذلك ونصبته له فيعرضها عليك منهياً لها على جهة صدقها ويكون على معرفة من قدرها فإن أردت إسعافه ونجاح ما سئل منها أذنت له في طلبها باسطاً له كنفك مقبلاً عليه بوجهك مع ظهور سرور منك بما سألك بفسحة رأي وبسطة ذرع وطيب نفس. وإن كرهت قضاء حاجته وأجبت رده عن طلبته وثقل عليك إسعافه أمرت كاتبك فصفحه عنها ومنعه من مواجهتك بها فخفت عليك في ذلك المؤونة وحسن لك الذكر وحمل على كاتبك لائمة أنت منها بريء الساحة.
وكذلك فليكن رأيك وأمرك فيمن طرأ عليك من الوفود وأتاك من الرسل فلا يصلن إليك أحد منهم إلا بعد وصول علمه إليك وعلم ما قدم له عليك وجهة ما هو مكلمك وقدر ما هو سائلك إياه إذا هو وصل إليك فأصدرت رأيك في جوابه وأجلت فكرك في أمره وأنفذت مصدر رويتك في مرجوع مسألته قبل ما دخوله عليك وعلمه بوصول حاله إليك فرفعت عنه مؤونة البديهة وأرخيت على نفسك خناق الروية فأقدمه على رد جوابه بعد النظر والفكرة فإن دخل عليك أحد منهم فكلمك بخلاف ما أنهى إلى كاتبك وطوى عنه حاجته قبلك دفعته عنك دفعاً جميلاً ومنعته جوابك منعاً ودفعاً ثم أمرت حاجبك بإظهار الجفوة له والغلظة ومنعه من الوصول إليك فإن ضبطك ذلك مما يحكم لك تلك الأشياء صارفاً عنك مؤونتها إن شاء الله.
احذر تضييع رأيك وإهمال أدبك في مسالك الرضا والغضب واعتوارهما وإياك فلا يزدهينك إفراط عجب تستخفك روائعه ويستهويك منظره ولا يبدرن منك ذلك خطأ ونزق خفة لمكروه وإن حل بك أو حادث وإن طرأ عليك. وليكن لك من نفسك ظهري ملجأ تتحرز به من آفات الردى وتستعهده في مهم نازل وتتعقب به أمورك في التدبير فإن احتجت إلى مادة من عقلك وروية من فكرك أو انبساط من منطقك كان انحيازك إلى ظهريك مزداداً مما أحببت الامتيار منه وإن استدبرت من أمورك بوادر لمهل أو مضي زلل أو معاندة حق أو خطأ تدبير كان ما احتجنت من رأيك عذراً لك عند نفسك وظهري قوة على رد ما كرهت وتخفيفاً لمؤونة الباغين عليك في القالة وانتشار الذكر وحصناً من غلوب الآفات على أخلاقك إن شاء الله.