والتضاحك إليه والإيجاف في السير مهمرجاً وتحريك الجوارح مستسرعاً يخال له أن ذلك أسرع له وأخف لمطيته فلتحسن في ذلك هيئتك ولتجمل فيه رعيتك وليقل على مسائلك إقبالك إلا وأنت مطرق للنظر غير ملتفت إلى محدث ولا مقبل عليه بوجهك في موكبك لمحادثته ولا مخف في السير تقلقل جوراحك بالتحريك. فإن حسن مسايرة الوالي وابتداعه في تلك من حالة دليل على كثير من غيوب أمره ومستتر أحواله.
واعلم أن أقواماً سيسرعون إليك بالسعاية ويأتونك من قبل النصيحة ويستميلونك بإظهار الشفقة ويستدعونك بالإغراء والشبهة ويوطئونك عشوة الحيرة ليجعلوك لهم ذرعة إلى استئكال العامة بموضعهم منك في القبول منهم والتصديق لهم على من قرفوه بتهمة أو أسرعوا بك في أمره إلى الظنة فلا يصلن إلى مشافهتك ساع بشبهة ولا معروف بتهمة ولا منسوب إلى بدعة فيعرضك لابتداع في دينك ويحملك على رعيتك ما لا حقيقة فيه ويحملك على إعراض قوم لا علم لك يدخلهم إلا بما قدم به عليهم ساعياً وأظهر لك منهم متنصحاً.
ليكن صاحبك شرطك ومن أحببت أن يتولى ذلك من قوادك إليه انتهاء ذلك وهو المنصوب لأولئك والمستمع لأقاويلهم والفاحص عن نصائحهم ثم لينه ذلك إليك على ما يرتفع إليه من تأمره بأمرك فيه وتقفه على رأيك من غير أن يظهر ذلك للعامة فإن كان صواباً () حظوته وإن كان خطأ أقدم به جاهل أو فرطة يسعى بها كاذب فنالت الباغي منها أو المظلوم عقوبة وبدر من واليك إليه نكال لم يعصب ذلك الخطأ بك ولم تنسب إلى تقريضه وخلوت من موضع الذم فيه.
فافهم ذلك وتقدم إلى من تولى فلا يقدم على شيء ناظراً فيه ولا يحال أخذ أحد طارقاً له ولا يعاقب أحداً منكلاً به ولا يخل سبيلاً أحد صافحاً عنه لإظهار براءته وصحة طريقته حتى يرفع إليك أمره وينهي إليك قضيته على جهة الصدق ومنحى الحق.
فإن رأيت عليه سبيلاً لمحبس أو مجازاً لعقوبة أمرته ذلك من غير إدخال له عليك ولا مشافهة منك له فكان المتولي لذلك ولم يجر على يدك مكروه ولا غلظ عقوبة وإن وجدت إلى العفو عنه سبيلاً وكان مما قرف به خلياً كنت أنت المتولي للإنعام عليه بتخلية سبيله والصفح عنه بإطلاق أسره فتوليت أجر ذلك وذخره ونطق لسانه بشكرك فقرنت خصلتين ثواب الله في الآخرة ومحمود ذكره في العاجلة.