بأخلاقك مواضعها الحميدة منها وتوق عليها التي تقطعك عن بلوغها وتقصر بك عن ساميها فحاول بلوغ غايته محرزاً لها بسبق الطلب إلى إصابة الموضع محصناً لأعمالك من العجب فإنه رأس الهوى وأول الغواية ومقاد الهلكة حارساً أخلاقك من الآفات المتصلة بمساويء العادات وذميم إيثارها من حيث أتت الغفلة وانتشر الضياع ودخل الوهن فتوق الآفات على عقلك فإن شواهد الحق ستظهر بإماراتها تصديق رأيك عند ذوي النهى وحال الرأي وفحص النظر. فاجتلب لنفسك محمود الذكر وباقي لسان الصدق بالحذر لما تقدم إليك فيه أمير المؤمنين متحرزاً من دخول الآفات عليك من حيث أمنك وقلة ثقتك بمحكمها.
ومنها أن تملك أمورك بالقصد وتصون سرك بالكتمان وتداري جندك بالإنصاف وتذلل نفسك للعدل وتحصن عيوبك بتقويم أودك. وأناتك فوقها الملال وفوت العمل ومصابك فدرعها رؤية النظر واكتنفها بأناة الحلم وخلواتك فاحرسها من الغفلة واعتماد الراحة وصمتك فأنف عنه عيّ اللفظ وخف عليه سوء القالة واستماعك فأرعه حسن التفهم وقوه بإشهاد الفكر وعطاءك فانهد له بيوتات الشرف وذوي الحسب وتحرز فيه من السرف وحياءك فامنعه من الخجل وحلمك فزعه عن التهاون وأحضر قوة الشكيمة وعقوبتك فقصر بها عن الإفراط وتعمد بها أهل الاستحقاق. وعفوك فلا تدخله تعطيل الحقوق وخذ به واجب المفترض وأقم به أود الدين. واستئناسك فامنع منه الذاءة وسوء المنافثة وتعهدك أمورك فخذه أوقاتاً وقدّره ساعات لا يستفرغ قوتك ويستدعي سآمتك. وعزمتك فأنف عنها عجلة الرأي ولجاجة الإقدام. وفرحاتك فاشكمها عن البطر وقيدها عن الزهو وروعاتك فحطها من دهش الرأي واستسلام الخضوع وحذارتك (فاصرفها) عن الجبن واعمد بها لمحزم ورجاءك فقيده بخوف الفائت وامنعه من أمن الطلب.
هذه جوامع دخائل النقص منها واصل إلى العقل بلطائف الله وتصاريف حوله فأحكمها عارفاً وتقدم في الحفظ لها معتزماً على الأخذ بمراشدها والانتهاء منها إلى حيث بلغت بك عظة أمير المؤمنين وأدبه إن شاء الله.
ثم ليكن بطانتك وجلساؤك في خلواتك ودخلاؤك في سرك أهل الفقه والورع من أهل بيتك وعامة قوادك ممن قد حنكته السن بتصاريف الأمور وخبطته فاصلها بين قرائن البزل وقلبته الأمور في فنونها وركب أطوارها عارفاً بمحاسن الأمور ومواضع الرأي مأمون