اعلم أن للحكمة مسالك تقضي مضايق أوائلها بمن أمها سالكاً وركب خيارها قاصداً إلى سعة عاقبتها وأمن سرحها وشرف عزها وأنعها لا تعاف بسخف الخفة ولا تنسى بتقريظ الغفلة ولا يتعدى فيها بأمن حد وقد تلقتك أخلاق الحكمة من كل جهة بفضلها من غير تعب البحث في إدراكها ولا متطاول المنال لذراتها بل تأثلت منها أكرم معانيها واستخلصت منها أعتق جواهرها ثم شمرت إلى لباب مصاصها وأحرزت منفس ذخائرها فأقعدها ما أحرزت ونافس فيما أصبت.
واعلم أن احتوائك على ذلك وسبقك إليه بإخلاص تقوى الله في جميع أمورك مؤثراً لها واصطبارك على طاعته وإعظام ما أنعم به عليك شاكراً لها مرتبطاً للمزيد بحسن الحياطة له والذب عنه أن تدخلك منه سآمة ملال أو غفلة أو ضياع أو سنة تهاون أو جهالة معرفة فإذ ذلك أحق ما بديء به ونظر فيه معتمداً عليه من القوة والآلة والانفراد من الصحاب والحلمة فتمسك به لاجئاً إليه واعتمد عليه مؤثراً له والتجيء إلى كنهه متحرزاً به أنه أبلغ ما طلب به رضا الله وأنجحه مسألة وأجزله ثواباً وأعوده سعياً وأعمه صلاحاً وأرشدك الله لحظك وفهمك وسداده وأخذ بقلبك على محموده.
ثم اجعل لله في كل صباح ينعم عليك ببلوغه ويظهر منك السلامة في إشراقة من نفسك نصيباً تجعله لله شكراً على إبلاغه إياك يومك ذلك بصحة وعافية بدن وسبوغ نعمٍ وظهور كرامة وأن تقرأ من كتاب الله عز وجل جزءاً تردد رأيك في أدبه وتزين لفظك بقراءته ويحضره عقلك ناظراً في محكمه وتفهمه متفكراً في متشابهه فإن فيه شفاء القلوب من أمراضها وجلاء وساوس الشيطان وسفاسفه وضياء معالم النور تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. ثم تعهد نفسك لمجاهدة هواك فإنه مغلاق الحسنات ومفتاح السيئات.
واعلم أن كل أعدائك لك عدو يحاول هلكتك ويعترض غفلتك لأنها خدع إبليس وحبائل مكره ومصائد مكيدته فاحذرها مجانباً وتوقها محترساً منها واستعذ بالله من شرها وجاهدها إذا تناصرت عليك بعزم صادق لا ونية فيه وحزم نافذ لا مثنوية لرأيك بعد إصداره عليك وصدق غالب لا مطمع في تكذيبه ومضاءة صارمة لا أناة معها ونية صحيحة لا خلجة شك فيها فإن ذلك ظهري صدق لك على ردها وقطعها دون ما تتطلع إليه منك وهي واقية لك سخطة ربك داعية لك رضا العامة ساترة عليك عيب من دونك فازدن به ملتحفاً وأصب