(شاور) يوماً وقد انشرح صدره فقلت له أن لي مدة تنازعني النفس في الحديث معك في حاجة وقد عزمت أن اقولها لك فإن قضيتها وإلا كنت قد أبليت عن نفسي عذراً قال: وما هي؟ قلت: تعفيني من عمل الشعروتنقل الجاري على الخدمة راتباً على حكم الضيافة فإني أرى التكسب بالشعر والتظاهر به نقيصة في حقي قال: ما منعك أن تستعفي في ايام الصالح وابنه قلت: كانت لي أسوه وسلوة بالشيخ الجليس ابن الحباب وبابني الزبير الرشيد والمهذب وقد انقرض الجيل والنظراء. قال: تعفى ثم أمر بإنشاء سجل بإعفائي وأخذ عليه خط الخليفة وخطه بذلك.
وبهذا عرفت أن أخلاق عمارة كانت لأول أمرها تأبى الدخول في زمرة الشعراء والارتزاق من طريق الشعر ولكن عاد يتناول الجوائز من الخليفة فمن دونه من أرباب الدولة إلا أنه لم يكن في أخلاقه كالشعراء في العادة بل كان كثيراً ما ينصح للعظماء من الفواطم ولا يخاف بأسهم وسطوتهم قال: ولما عاد (شاور) من حصار الإسكندرية أكثر من سفك الدماء بغير حق وكان يأمر بضرب الرقاب بين يديه في قاعة البستان من دار الوزارة ثم تسحب القتلى إلى خارج الدار فسألني الجماعة أن أعمل قصيدة في هذا المعنى فقتل:
ألا أن حد السيف لم يبق خاطراً ... من الناس إلا حائراً يتردد
ذعرت الورى حتى لقد خاف مصلح ... على نفسه أضعاف ما خاف مفسد
فأغمد شفار المشرفيّ وعُد بنا ... إلى عادة الإحسان وهي التغمد
فإن بروق الماضيات وصوتها ... رواعد منهن الفرائص ترعد
وإن صليل السيف أفحش نغمة ... تظل تُغني في الطلى وتغرد
تجاوز وإلا فالمقطم خيفةً ... يذوب وماء النيل لا شك يجمد
ومع ما كان يقرّع به رجال الفاطميين ويخوفهم من ارتكاب الظلم كانوا يرتاحون إليه هذا وهو سني قح وهم شيعة محض حتى أراده بعض أمرائهم وهو الصالح بن زريك أن يعود متشيعاً ويأخذ منه ثلاثة آلاف دينار فأبى.
ولطالما كانوا يطلقون له الرواتب ويخلعون عليه الخلع ويرسلون إليه بإردبات من الحنطة والشعير وأباليج من السكر ودكاكيج كبار من الزيت الطيب وخرفان رضع سمان وله قصائد ومقطوعات يصح أن تدرج في باب الشعر الاجتماعي لما فيها من المعاني الغريبة