حتى أن الحكومات لتساعد حباً بزيادة نوابغ أبنائها على تنمية العجب وحب الذات في النفوس وتأصلهما في تلك القلوب الفتية الراغبة في المراتب العالية بما ينهال عليها من المكافآت الغرارة والتشريفات الزائلة وبعد أن تلقي أذهانهم خيالات غايتها تحسين مستقبلهم تتركهم وشأنهم على حين يدخلون معترك الحياة الحقيقية للشروع في الجهاد. نعم تسلمهم لقوتهم الخاصة عوضاً عن أن تكفل لهم ما يستطيعون معه أن يقوموا بواجبات صناعة شريفة.
ثم إن ارتقاء الأفكار الدستورية واشتراك الوطنيين كافة في الحقوق المدنية والسياسية والرغبة في الاشتهار بالمجادلات في دور الندوة قد كان من نتائجها الطبيعية الطمع في الزعامة وحب السلطة بحجة الرغبة في تحسين حال الأمة واتخاذ أسباب السعادة العامة. يشترك في الدعوة إلى هذا الأمر جميع طبقات الأمة. وكلما تأصلت الأفكار الجمهورية في العادات والقوانين زادت اللهجة بذلك وتوفر القوم عليه.
وهناك شيء آخر وهو أن الرغبة في المناصب والمراتب زادت زيادة خرجت فيها عن طور التعقل وحدود الاعتدال حتى عند من لم تساعدهم ملكاتهم على تحقيق شيء مما ينالونه. وأن قلة تمييز الحكومات بين مختلف الكفاءات والملكات في رفع الناس بعضهم فوق بعض درجات قد دق عنق العدل وقتل روح المباراة وأطفأ نور القرائح قبل انبعاثه فصارت تعبث الشفاعة بالكفاءة الشخصية. فنتج من ذلك أن عدداً عظيماً من الفتيان رأوا بلوغ المراتب ومنازل التشريف غاية عملهم الوحيد فراح بعضهم يطمح فيها للوصول إلى الغنى وبعضهم يميل إلى الغنى للوصول إلى المراتب واتخاذ أسباب التصدر وكان عليهم أن يكون العمل سبب السعادة وغايته العالية.
بيد أن العلم والصناعات كانت عند كثيرين القاعدة التي استندوا إليها لبلوغ المناصب الاجتماعية السامية وسهلت لهم أسباب الغنى. وقد تولد من الطمع في التمول حب الشهوات والبذخ التي ما برحت تزداد نمواً في الطبقات الاجتماعية عامة كل يوم. وليس معنى البذخ الذي هو مقياس الثروة والغنى أو مظهر من مظاهر الراحة القائم بإنفاق مبالغ طائلة لامتلاك مجاميع جميلة من الأعلاق والنفائس أو العاديات المجلوبة من أقطار عديدة بل إن معناه الإشارة إلى النجاح والذكاء في كل من يحبون أن يشتهروا بحسن الذوق أو حب