أما القطب السوري فكانت حركته العلمية والأدبية جيدة على الجملة ولاسيما في بيروت مدينة العلم والمدارس في الشام ومركزها الحركة العقلية التي نشأت في الحقيقة بفضل مدارس مرسلي الأمريكان والفرنسيس وطبعتيهما العظيمتين وسائر المطابع والجرائد التي نشات فيها أواخر القرن الماضي وبعده وثلت من الافاضل الذين خدموا العربية خدمة نافعة كفإنديك وورتبات وبوست والبستاني والاسبر والأحدب واليازحي والحوراني والشرتوني وشيخو وبلو واضرابهم الثائرين على أثارهم.
ومما ساعد على تحسين الاذواق ببيروت ولبنان كثرة ولوع سكان الجبل بالهجرة إلى أمريكا منذ أوائل القرن كما أولع اجدأهم الفينيقيون بها من قبل وعودة بعضهم بأموال أقاموا فيها القصور والمباني على النسق الغربي وحأولو العيش على المناحي الإفرنجيه وجلبوا معهم عادات ومعارف جديدة نفعت في إنشاء ملكاتهم وادابهم. والفلاح السوري على الجملة أرقى من الفلاح المصري واذكى منه ولكن أهل الطبقة الوسطى والعليا من المصريين أرقى من أهل جنسهم في الشام وقد سرت من حب الهجرة شظية إلى داخلية سوريا وهب المسلمين إلى الاغتراب بعد أن كان المسيحيون وحدهم يضربون في اكناف الأرض ولاسيما في أمريكا ومصر كما سرت عدوة العلوم الحديثة وحب تعلم اللغات الأوروبية ولكن هذه الجراثيم ما زالت قليلة الانتشار بينهم. ممن كان لهم اليد الطولى في الدعوة إلى تصحيح الأفكار في سوريا ولاسيما في دمشق وأعمالها الشيخ طاهر الجزائري فإنه نفع بتآليفه وإرشاده وخطبه في الاندية الخاصة حتى كان سبباً في إنارة عقول جمهور كبير من المتعلمين والمتأدبين والمتصدين للنفع والتدريس فكان العضو العامل في إنشاء المدارس الابتدائية في سوريا واحياء كتب السلف بعد أن بددهم الخلف وجعلها في خزائن عامة كالمكتبة العمومية في دمشق وغيرها. ولكن سوريا منيت بالمراقبة على المطبوعات فهجرها أكثر المفكرين والكاتبين من أبنائها بحيث صح أن تدعى سوريا مدرسة وميدان العمل مصر وأمريكا وغيرها. ولأن لم يأتي المسلمون في سوريا إلى الأن في عمل يدل على فضل وعقل فإن الانتباه للذي حدث في هذا العهد يدعو إلى الأمل بانه سيكون منه عما قريب أحسن أثر يعود على البلاد بما ينفعها في مادياتها ومعنوياتها. ومتى ايقن المرء بجهله تعلم والجهل البسيط خير من الجهل المركب ونريد للجهل البسيط هو أن لا يعلم