الحباب شيخ العدوتين في النظم والنثر وسائر العلوم الأدبية ولما هلك ابن حباب سنة تسع وأربعين وسبعمائة ولى السلطان أبو الحجاج يومئذ محمد بن الخطيب هذا رياسة الكتاب ببابه وثناه بالوزارة ولقبه بها فاستقل بذلك وصدرت عنه غرائب من الترسيل في مكاتبات جيرانهم من ملوك العدوة ثم داخله السلطان في توليه العمال على يديه بالمشاركات فجمع له بها أموالاً وبلغ به المخالصة إلى حيث لم يبلغ بأحد من قبله وسفر عنه إلى السلطان أبي عنان ملك بني مروان بالعدوة معزياً بأبيه السلطان أبي الحسن فجلى في أغراض سفارته. ثم هلك السلطان أبو الحجاج وبويع ابنه نحمد بالأمر لوقته فأفرد ابن الخطيب بوزارته كما كان لأبيه واتخذ لكتابته غيره وجعل ابن الخطيب رديفاً له في أمره وتشاركا في الاستبداد معاً.
ثم بعثوا الوزير ابن الخطيب سفيراً إلى السلطان أبي عنان مستمدين له على عدوهم الطاغية على عادتهم مع سلفه فلما قدم السلطان ومثل بين يديه تقدم الوفد الذين معه من وزراء الأندلس وفقهائها استأنه في إنشاد شي من الشعر يقدمه بين يدي نجواه فأذن له وأنشد وهو قائم أبياتاً اهتز السلطان لها فأذن له في الجلوس وقال له قبل أن يجلس: ما ترجع إليهم الا يجميع عطائهم. ثم أثقل كأهلهم بالإحسان وردهم بجميع مطالبهم. قال القاضي أبو القاسم الشريف: لم يسمع بسفير قضى سفارته قبل أن يسلم على السلطان الا هذا. وبعد ذلك اعتقل الرئيس القائم بالدولة هذا الوزير ابن الخطيب وضيق عليه في محبسه إلى أن شفع فيه ثم سار في ركاب السلطان إلى وادي آش قادمين على السلطان أبي سالم فارغد هذا عيش ابن الخطيب في الجراية والاقطاع ثم أستأذنه السلطان في التحول إلى جهات مراكش والوفود على أثار الملك بها فأذن له وكتب إلى العمال باتحافه فبادروا في ذلك وحصل منه على حظ وعند ما مر بسلا في قفوله من سفره دخل مقبرة الملوك بشالة ووقف على قبر السلطان أبي الحسن وأنشد قصيدته على روية الراء الموصولة يرثية ويستثير به استرجاع ضياعه بغرناطة مطلعها
ان بان منزله وشطت داره ... قامت مقام عيانه أخباره
قسم زمانك عبرة أو غبرة ... هذا تراه وهذه أثاره
فكتب السلطان ابو سالم في ذلك إلى أهل الأندلس بالشفاعة فشفعوه واستقر هو بسلا منتبذا