ذلك بعث إلى عظيم أهل الصعيد فقال: المال فقال: ما عندي مال فسجنه قال: وكان عمرو يسأل من يدخل عليه هل تسمعونه بذكر أحداً قالوا: نعم يذكر راهباً بالطور فبعث به مع رسول من قبله إلى الراهب فأتي بقلة من نحاس مختومة برصاص فإذا فيها كتاب وإذا فيه يا بني إن ارتم مالكم فاحفروا تحت الفسقية فبعث عمرو الأمناء إلى الفسقية فحفروا فيها فاستخرجوا منها خمسين اردباً دنانير قال فضرب عنق القبطي وصلبه.
ومصر هي أم المدن الإسلامية بثروتها وتربتها ذهب كما وصفها احد حكامها ولم يزل أمراؤها يستنزفون أموالها ففي سنة خمس وثمانين (مات متولي مصر والمغرب عبد العزيز بن مروان الأموي اخو الخليفة وقد ولي الديار المصرية عشرين سنة وخلف أموالاً لا تحصى) وسنة 515 مات بمصر الأفضل أمير الجيوش شاه نشاه احمد بن أمير الجيوش بدر الأرمني وكانت ولايته ثمانياً وعشرين سنة على الديار المصرية (واستولى الأمر على حواصله كلها ولم يسمع في الدنيا بمثلها كثرة كانت دوابه باثني عشر ألف ألف دينار وكان لبن المواشي التي له يغل في العام ثلاثين ألف دينار وأما بن خلكان فنقل عن صاحب الدول المنقطعة قال: خلف الأفضل وزير الديار المصرية وأمير جيوشها ستمائة ألف ألف دينار ومائتين وخمسين إردب دراهم وخمسة وسبعين ألف ثوب ديباج)
وكانت أسباب الثروة في البلاد الشرقية كثيرة وخصوصاً لمن ولي شيئاً من أمر الأمة في دور الانحطاط وارتفاع المراقبة وفساد التربية فإن المصادرات والرشوات وأنواع الهدايا والقربات وقلة النفقات ورخص البياعات كانت كلها من الأسباب التي تهيء الأمير متى رفع خوف الله من قلبه أن يكون صاحب القناطير المقنطرة من الذهب والفضة يسلبها ألوفاً من الضعفاء لينعم بها باله وبال عياله وأولاده من بعده. وإلا فكيف كان يتأتى للأمراء أن يخلفوا الأموال الطائلة في خزائنهم ويسرفوا إسرافاً لا يكاد يصدق لولا صحة ما رواه المحققون من أهل النظر.
قيل أن جملة ما أنفقه عبد الله محمد بن أبي يوسف احد ملوك الأندلس في سفرة له مائة وعشرون حملاً ذهباً فكم كان في خزائنه يا ترى؟ ولا يخفى على ذي بصر أن أحوال العرب الاجتماعية لم تكن في الدرجة التي نتصورها ولو حفظت لنا كتبهم وسجلاتهم من الضياع لكان حكمنا على مدنيتهم من هذا القبيل صحيحاً لا شوب فيه ولا تخليط ولاشك إن