توفيت وبعد الفراغ من دفنها وقف للناس عند منصرفهم من الجنازة ليتشكر لهم فقيل إنه ما أعاد في ذلك الوقت عبارة قالها لأحد الصفدي وهذا من التوسع في العبارة والقدرة على التفنين في أساليب الكلام وهو أمر صعب إلى الغاية وأرى أنه اشق مما يحكى عن علماء وأصل بن عطاءاته ما سمعت منه راء لإنه كان يلثغ بحرف الراء لثغة قبيحة والسبب في تهوين هذا الأمر وعدم تهوينه أن وأصل بن عطاء كان يعدل إلى ما يرادف تلك الكلمة مما ليس فيه راء وهذا كثير في كلام العرب فإذا أراد العدول عن لفظ فرس قال جواد أو ساع أو صافن أو العدول عن رمح قال قناة أو صعدة أو يزنى أو غير ذلك أو العدول عن لفظ صارم قال حسام أو لهدم أو غير ذلك وأما ابن زيدون فأقول في حقه أقل ما كان في تلك الجنازة وهو وزير ألف رئيس ممن يتعين عليه أن يتشكر له ويضطر إلى ذلك فيحتاج في هذا المقام إلى ألف عبارة مضمونها الشكر وهذا كثير إلى الغاية لاسيما من محزون فقد قطعة من كبده
ولكنه صوب العقول إذا انبرت ... سحائب منه أعقبت بسحاب
وقال ابن بسام في الذخيرة في ترجمة ذي الوزارتين الكاتب أبي الوليد ابن زيدون وصاحب الذخيرة خير من يصور الرجال ومناشئهم وأحوالهم:
كان أبو الوليد غاية منثور ومنظوم. وخاتمة شعراء مخزوم. احد من جر الأيام جرا.
وفات الأنام طرا. وصرف السلطان نفعاً وضراً. ووسع البيان نظماً ونثراً. إلى أدب ليس للجدول تدفقه. ولا للبدر تألقه. وشعر ليس للسحر بيانه. ولا النجوم الزهر اقترانه. وحظ من النثر غريب المباني. شعري الألفاظ والمعاني. اخبرني غير واحد من وزراء إشبيلية قال: لما خلص ابن عبد البر من يد عباد. خلوص الفرزدق من يد زياد. بقيت حضرته من أهل هذا الشان. أعرى من ظهر الأفعوان. وأخلى من صدر الجبان. فهم باستخلاف أبي محمد ابن الباجي المشهور أمره الآتي في القسم الثاني من هذا الديوان ذكره فكان أبا الوليد غص بذلك ووطأ أبا محمد بن الجد على الإشارة بالاستغناء عما هنالك فكأنت الكتب تنفذ من إنشاء أبي الوليد إلى شرق الأندلس فيقال: تأتي من إشبيلية كتب هي بالنظم أشبه منه بالنثر. وقد أجرى ذكره أبو مروان بن حيان في وصف من كان اصطنع ابن جهور من رجال دولته فقال: ونوه بفتى الأدب وعميد الظرف الشاعر البديع الوصف أبي الوليد احمد