ابن زيدون
إذا انتشرت الآداب والعلوم في أمة وكادت تعم أفرادها كافة يأتي من بين أولئك المتعلمين الكثار صفوة من الرجال منهم ينشأ النوابغ لان ارتقاء العلوم في الخصوص يكون على نسبة ارتقائها في العموم. وصاحب الترجمة هو احد أفراد الأندلس المعدودين زكا أصله وسما عقله ورجح بيانه وانفتق لسانه وبعد صيته بين حملة رايات القريض وصواغ عقود الإنشاء جمع إلى تليد مجده طريفاً وإلى آدابه الوهبية آداباً كسبية وقد عد في الطبقة العالية بين شعراء الأندلس ونال من المنثور حظاً كبيراً فهو على التحقيق كما وصفه احد الأدباء (بحتري المغرب) لحسن ديباجته وسهولة معانيه ومتانة تراكيبه تقرأ في منظومة العواطف في أبهى مظاهرها وتتجلى لك أغراضه في أسمى معانيها فشعره جعبة الأدب البارع ودرج الذهب الرائع ومثال الظرف والرقة وعنوان الانسجام والإجادة حتى قال أحدهم فيه: من لبس البياض وتختم بالعقيق وقرأ لأبي عمرو وتفقه للشافعي وروى شعر ابن زيدون فقد استكمل الظرف كله.
وصفه صاحب القلائد بقوله: زعيم الفئة القرطبية ونشأة الدولة الجهورية الذي بهر بنظامه وظهر كالبدر ليلة تمامه فجاء من القول بسحر وقلده أبهى نحر لم يصرفه إلا بين ريحان وراح ولم يطلعه إلا في سماء مؤانسات وأفراح ولا تعدى به الرؤساء والملوك ولا تروى منه إلا حظوة كالشمس عند الدلوك فشرف بضائعه وأرهف بدائعه وروائعه وكلفت به تلك الدولة حتى صار ملهج نسانيها وحل من عينها مكان إنسانها.
وفي بعض المجاميع أن الوزير آبا بكر بن عمار وأبا الوليد بن زيدون كانا في حسن الشعر فرسي رهان ورضيعي لبان وقد ذكرا أكثر الأدباء بالأندلس إنهما اشعر أهل عصرهما هذا ما ذكره العماد الكاتب وذكر له القصيدة التي أولها (أما في نسيم الريح عرف يعرف) والرسالة التي كتبها لأستاذه ابن جهور يستعطفه بها وقد اعتقله لما سمع أنه مال إلى المعتضد عباد وذكر لابن عمار الرائية التي استوزره لسببها ابن عباد وهي ادر الزجاجة الخ.
ولقد كان ابن زيدون آية في طلاقة لسانه كما كان غاية في حسن بيانه ويحكى أن ابنته